الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } * { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

بيان الآيات تنبئ عن قصة ابني آدم، وتبين ان الحسد ربما يبلغ بابن آدم إلى حيث يقتل أخاه ظالماً فيصبح من الخاسرين ويندم ندامة لا يستتبع نفعاً، وهي بهذا المعنى ترتبط بما قبلها من الكلام على بني إسرائيل واستنكافهم عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن إباءهم عن قبول الدعوة الحقة لم يكن إلا حسداً وبغياً، وهذا شأن الحسد يبعث الإنسان إلى قتل أخيه ثم يوقعه في ندامة وحسرة لا مخلص عنها أبداً، فليعتبروا بالقصة ولا يلحوا في حسدهم ثم في كفرهم ذاك الإلحاح. قوله تعالى { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق } الآية التلاوة من التلو وهي القراءة سميت بها لأن القارئ للنبأ يأتي ببعض أجزائه في تلو بعض آخر. والنبأ هو الخبر إذا كان ذا جدوى ونفع. والقربان ما يتقرب به إلى الله سبحانه أو إلى غيره، وهو في الأصل مصدر لا يثنى ولا يجمع. والتقبل هو القبول بزيادة عناية واهتمام بالمقبول والضمير في قوله { عليهم } لأهل الكتاب لما مر من كونهم هم المقصودين في سرد الكلام. والمراد بهذا المسمى بآدم هو آدم الذي يذكر القرآن أنه أبو البشر، وقد ذكر بعض المفسرين أنه كان رجلاً من بني إسرائيل تنازع ابناه في قربان قرباه فقتل أحدهما الآخر، وهو قابيل أو قايين قتل هابيل ولذلك قال تعالى بعد سرد القصة { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرئيل }. وهو فاسد أما أولاً فلأن القرآن لم يذكر ممن سمي بآدم إلا الذي يذكر أنه أبو البشر، ولو كان المراد بما في الآية غيره لكان من اللازم نصب القرينة على ذلك لئلا يبهم أمر القصة. وأما ثانياً فلأن بعض ما ذكر من خصوصيات القصة كقوله { فبعث الله غراباً } إنما يلائم حال الإنسان الأولي الذي كان يعيش على سذاجة من الفكر وبساطة من الإدراك، يأخذ باستعداده الجبلي في ادخار المعلومات بالتجارب الحاصلة من وقوع الحوادث الجزئية حادثة بعد حادثة، فالآية ظاهرة في أن القاتل ما كان يدري أن الميت يمكن أن يستر جسده بمواراته في الأرض، وهذه الخاصة إنما تناسب حال ابن آدم أبي البشر لا حال رجل من بني إسرائيل، وقد كانوا أهل حضارة ومدنية بحسب حالهم في قوميتهم لا يخفى على أحدهم أمثال هذه الأمور قطعاً. وأما ثالثاً فلأن قوله ولذلك قال تعالى بعد تمام القصة - من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، يريد به الجواب عن سؤال أورد على الآية، وهو أنه ما وجه اختصاص الكتابة ببني إسرائيل مع أن الذي تقتضيه القصة - وهو الذي كتبه الله - يعم حال جميع البشر، من قتل منهم نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحيا منهم نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً؟.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد