الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } * { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بيان لما ذكر تعالى أخذه الميثاق من أهل الكتاب على نصرة رسله وتعزيرهم وعلى حفظ ما آتاهم من الكتاب ثم نقضهم ميثاقه تعالى الذي واثقهم به دعاهم إلى الإيمان برسوله الذي أرسله، وكتابه الذي أنزله، بلسان تعريفهما لهم وإقامة البينة على صدق الرسالة وحقية الكتاب، وإتمام الحجة عليهم في ذلك أما التعريف فهو الذي يشتمل عليه قوله { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً } الخ، وقوله { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة } الخ. وأما إقامة البينة فما في قوله { يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون } الخ فإن ذلك نعم الشاهد على صدق الرسالة من أُمي يخبر بما لا سبيل إليه إلا للأخصاء من علمائهم، وكذا قوله { يهدي به الله من اتبع رضوانه } الخ فإن المطالب الحقة التي لا غبار على حقيتها هي نعم الشاهد على صدق الرسالة وحقية الكتاب. وأما إتمام الحجة فما يتضمنه قوله { أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير }. وقد رد الله تعالى عليهم في ضمن الآيات قول البعض { إن الله هو المسيح ابن مريم } وقول اليهود والنصارى { نحن أبناء الله وأحباؤه }. قوله تعالى { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير } أما بيانه كثيراً كانوا يخفون من الكتاب فكبيانه آيات النبوة وبشاراتها كما يشير إليه قوله تعالىالذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } الأعراف 157 الآية، وقوله تعالىيعرفونه كما يعرفون أبناءهم } البقرة 146 الآية، وقوله { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } إلى قولهذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل } الفتح 29 الآية، وكبيانه صلى الله عليه وآله وسلم حكم الرجل الذي كتموه وكابروا فيه الحق على ما يشير إليه قوله تعالى فيما سيأتيولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } آل عمران 176 الآيات، وهذا الحكم أعني حكم الرجم موجود الآن في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التثنية من التوراة الدائرة بينهم. وأما عفوه عن كثير فهو تركه كثيراً مما كانوا يخفونه من الكتاب، ويشهد بذلك الاختلاف الموجود في الكتابين، كاشتمال التوراة على أمور في التوحيد والنبوة لا يصح استنادها إليه تعالى كالتجسم والحلول في المكان ونحو ذلك، وما لا يجوز العقل نسبته إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور والزلات، وكفقدان التوراة ذكر المعاد من رأس ولا يقوم دين على ساق إلا بمعاد، وكاشتمال ما عندهم من الأناجيل ولا سيما إنجيل يوحنا على عقائد الوثنية. قوله تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } ظاهر قوله { قد جاءكم من الله } كون هذا الجائي قائماً به تعالى نحو قيام كقيام البيان أو الكلام بالمبين والمتكلم وهذا يؤيد كون المراد بالنور هو القرآن، وعلى هذا فيكون قوله { وكتاب مبين } معطوفاً عليه عطف تفسير، والمراد بالنور والكتاب المبين جميعاً القرآن، وقد سمى الله تعالى القرآن نوراً في موارد من كلامه كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد