الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }

بيان الآيتان وكذا الآيات التالية لها القاصة قصة نزول المائدة والتالية لها المخبرة عما سيسأل الله عيسى ابن مريم عليه السلام عن اتخاذ الناس إياه وأُمه إلهين من دون الله سبحانه وما يجيب به عن ذلك، كلها مرتبطة بغرض السورة الذي افتتحت به، وهو الدعوة إلى الوفاء بالعهد والشكر للنعمة والتحذير عن نقض العهود وكفران النعم الإِلهية وبذلك يتم رجوع آخر السورة إلى أولها وتحفظ وحدة المعنى المراد. قوله تعالى { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم } إلى قوله { وإذ تخرج الموتى بإذني } الآية تعد عدة من الآيات الباهرة الظاهرة بيده عليه السلام إلا أنها تمتن بها عليه وعلى أُمه جميعاً، وهي مذكورة بهذا اللفظ تقريباً فيما يحكيه تعالى من تحديث الملائكة مريم عند بشارتها بعيسى عليه السلام في سورة آل عمران، قال تعالى { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم } إلى أن قال { ويكلم الناس في المهد وكهلاً } إلى أن قالويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإِنجيل * ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأُبرئ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله } آل عمران 48ـ49 الآيات. والتأمل في سياق الآيات يوضح الوجه في عدِّ ما ذكره من الآيات المختصة ظاهراً بالمسيح نعمة عليه وعلى والدته جميعاً كما تشعر به آيات آل عمران فإن البشارة إنما تكون بنعمة، والأمر على ذلك فإن ما اختص به المسيح عليه السلام من آية وموهبة كالولادة من غير أب والتأييد بروح القدس وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله سبحانه فهي بعينها كرامة لمريم كما أنها كرامة لعيسى عليهما السلام فهما معاً منعمان بالنعمة الإِلهية كما قال تعالى { نعمتي } التي أنعمت { عليك وعلى والدتك }. وإلى ذلك يشير تعالى بقولهوجعلناها وابنها آية للعالمين } الأنبياء 91 حيث عدهما معاً آية واحدة لا آيتين. وقوله { إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس } الظاهر أن التأييد بروح القدس هو السبب المهيئ له لتكليم الناس في المهد، ولذلك وصل قوله { تكلم الناس } من غير أن يفصله بالعطف إلى الجملة السابقة إشعاراً بأن التأييد والتكليم معا أمر واحد مؤلف من سبب ومسبب، واكتفى في موارد من كلامه بذكر أحد الأمرين عن الآخر كقوله في آيات آل عمران المنقولة آنفاً { ويكلم الناس في المهد وكهلاً } ، وقولهوآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس } البقرة 253. على أنه لو كان المراد بتأييده بروح القدس مسألة الوحي بوساطة الروح لم يختص بعيسى ابن مريم عليه السلام وشاركه فيها سائر الرسل مع أن الآية تأبى ذلك بسياقها.

السابقالتالي
2 3