الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

بيان الآيات الثلاث الأُوَل في الشهادة، والأخيرة لا تخلو عن اتصال ما بها بحسب المعنى. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا شهادة بينكم } إلى آخر الآيتين، محصل مضمون الآيتين أن أحدهم إذا كان على سفر فأراد أن يوصي فعليه أن يشهد حين الوصية شاهدين عدلين من المسلمين وإن لم يجد فشاهدين آخرين من غير المسلمين من أهل الكتاب فإن ارتاب أولياء الميّت في أمر الوصية يحبس الشاهدان بعد الصلاة فيقسمان بالله على صدقهما فيما يشهدان عليه وترفع بذلك الخصومة، فإن اطلعوا على أن الشاهدين كذبا في شهادتهما أو خانا في الأمر فيوقف شاهدان آخران مقام الشاهدين الأولين فيشهدان على خلافهما ويقسمان بالله على ذلك. فهذا ما تفيده الآيتان بظاهرهما فقوله { يا أيُّها الذين آمنوا } خطاب للمؤمنين والحكم مختص بهم { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } أي شهادة بينكم شهادة ذوي عدل منكم، ففي جانب الخبر مضاف مقدر، أو شهداء بينكم ذوا عدل منكم، والمراد أن عدد الشهود اثنان فالمصدر - الشهادة - بمعنى اسم الفاعل كقولهم رجل عدل ورجلان عدل. وحضور الموت كناية عن حضور داعي الوصية فإن الناس بحسب الطبع لا يشتغلون بأمثال هذه الأمور من غير حضور أمر يوجب الظن بالموت، وهو عادة المرض الشديد الذي يشرف الإِنسان به على الموت. وقوله { حين الوصية } ظرف متعلق بالشهادة أي الشهادة حين الوصية، والمراد بالعدل - وهو مصدر - الاستقامة في الأمر، وقرينة المقام تعطي أن المراد به الاستقامة في أمر الدين، ويتعين بذلك أن المراد بقوله { منكم } وقوله { من غيركم } المسلمون وغير المسلمين، دون القرابة والعشيرة فإن الله سبحانه قابل بين قوله { اثنان } وقوله { آخران } ، ثم وصف الأول بقوله { ذوا عدل } وقوله { منكم } ولم يصف الثاني إلاَّ بقوله { من غيركم } دون أن يصفه بالعدالة، والاتصاف بالاستقامة في الدين وعدمه إنما يختلف في المسلم وغير المسلم، ولا موجب لاعتبار العدالة في الشهود إذا كانوا قرابة أو من عشيرة المشهود له وإلغائها إذا كان الشاهد أجنبياً. وعلى هذا فقوله { أو آخران من غيركم } ترديد على سبيل الترتيب أي إن كان هناك نفر من المسلمين يستشهد اثنان منهم، وإن لم يكن إلا من غير المسلمين يستشهد باثنين منهم، كل ذلك بالاستفادة من قرينة المقام. وهذه القرينة بعينها هي التي توجب أن يكون قوله { إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } قيداً متعلقاً بقوله { أو آخران من غيركم } فإن المسلم لما كان بالطبع إنما يعيش في مجتمع المسلمين لا تمس الحاجة في الحضر عادة إلى الاستشهاد بشهيدين من غير المسلمين بخلاف حالة السفر والضرب في الأرض فإنها مظنة وقوع أمثال هذه الوقائع والاضطرار ومسيس الحاجة إلى الانتفاع من غير المسلم بشهادة أو غيرها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد