الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

بيان قوله تعالى { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } هذه أصناف من الأنعام كان أهل الجاهلية يرون لها أحكاماً مبنية على الاحترام ونوع من التحرير، وقد نفى الله سبحانه أن يكون جعل من ذلك شيئاً، فالجعل المنفي متعلق بأوصافها دون ذواتها فإن ذواتها مخلوقة لله سبحانه من غير شك، وكذلك أوصافها من جهة أنها أوصاف فحسب، وإنما الذي تقبل الإِسناد إليه تعالى ونفيه هي أوصافها ومن جهة كونها مصادر لأحكام كانوا يدعونها لها فهي التي تقبل الإِسناد ونفيه، فنفي جعل البحيرة وأخواتها في الآية نفي لمشروعية الأحكام المنتسبة إليها المعروفة عندهم. وهذه الأصناف الأربعة من الأنعام وإن اختلفوا في معنى أسمائها ويتفرع عليه الاختلاف في تشخيص أحكامها كما ستقف عليه، لكن من المسلم أن أحكامها مبنية على نوع من تحريرها والاحترام لها برعاية حالها، ثلاثة منها وهي البحيرة والسائبة والحامي من الإِبل، وواحدة وهي الوصيلة من الشاة. أما البحيرة ففي المجمع أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكراً بحروا أُذنها أي شقوها شقاً واسعاً وامتنعوا عن ركوبها ونحرها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع عن مرعى، فإذا لقيها المعيي لم تركبها، عن الزجاج. وقيل إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس فإن كان ذكراً نحروه فأكله الرجال والنساء جميعاً، وإن كانت أُنثى شقو أُذنها فتلك البحيرة ثم لا يجزّ لها وبر، ولا يذكر لها اسم الله إن ذكيت، ولا حمل عليها، وحرم على النساء أن يذقن من لبنها شيئاً، ولا أن ينتفعن بها، وكان لبنها ومنافعها للرجال خاصة دون النساء حتى تموت فإذا ماتت اشتركت الرجال والنساء في أكلها، عن ابن عباس، وقيل " إن البحيرة بنت السائبة " ، عن محمد بن إسحاق. وأما السائبة ففي المجمع أنها ما كانوا يسيبونه فإن الرجل إذا نذر القدوم من سفر أو البرء من علة أو ما أشبه ذلك قال ناقتي سائبة فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها، وإن لا تخلى عن ماء ولا تمنع من مرعى، عن الزجاج، وهو قول علقمة. وقيل هي التي تسيب للأصنام أي تعتق لها، وكان الرجل يسيب من ماله ما يشاء فيجيء به إلى السدنة - وهم خدمة آلهتهم - فيطعمون من لبنها أبناء السبيل ونحو ذلك عن ابن عباس وابن مسعود. وقيل إن السائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سيبت فلم تركبوها، ولم يجزوا وبرها ولم يشرب لبنها إلاَّ ضيف فما نتجت بعد ذلك من انثى شق اذنها ثم تخلى سبيلها مع أُمها، وهي البحيرة، عن محمد بن إسحاق.

السابقالتالي
2 3 4