الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

بيان الآيتان غير ظاهرتي الارتباط بما قبلهما، ومضمونهما غني عن الاتصال بشيء من الكلام يبين منهما ما لا تستقلان بإفادته فلا حاجة إلى ما تجشمه جمع من المفسرين في توجيه اتصالهما تارة بما قبلهما، وأخرى بأول السورة، وثالثة بالغرض من السورة فالصفح عن ذلك كله أولى. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } الآية، الإِبداء الإِظهار، وساءه كذا خلاف سرَّه. والآية تنهى المؤمنين عن أن يسألوا عن أشياء إن تبد لهم تسؤهم، وقد سكتت أولاً عن المسؤول من هو؟ غير أن قوله بعد { وإن تسألوا عنها حين ينزَّل القرآن تبد لكم } ، وكذا قوله في الآية التالية { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقصود بالسؤال مسؤول بمعنى أن الآية سيقت للنهي عن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشياء من شأنها كيت وكيت، وإن كانت العلة المستفادة من الآية الموجبة للنهي تفيد شمول النهي لغير مورد الغرض وهو أن يسأل الإِنسان ويفحص عن كل ما عفاه العفو الإِلهي، وضرب دون الاطلاع عليه بالأسباب العادية والطرق المألوفة ستراً فإن في الاطلاع على حقيقة مثل هذه الأمور مظنة الهلاك والشقاء كمن تفحص عن يوم وفاته أو سبب هلاكه أو عمر أحبته وأعزته أو زوال ملكه وعزته، وربما كان ما يطلع عليه هو السبب الذي يخترمه بالفناء أو يهدده بالشقاء. فنظام الحياة الذي نظمه الله سبحانه ووضعه جارياً في الكون فأبدا أشياء وحجب أشياء لم يظهر ما أظهره إلاَّ لحكمة، ولم يخف ما أخفاه إلاَّ لحكمة أي إن التسبب إلى خفاء ما ظهر منها والتوسل إلى ظهور ما خفي منها يورث اختلال النظام المبسوط على الكون كالحياة الإِنسانية المبنية على نظام بدني مؤلف من قوى وأعضاء وأركان لو نقص واحد منها أو زيد شيء عليها أوجب ذلك فقدان أجزاء هامة من الحياة ثم يعتبر ذلك مجرى القوى والأعضاء الباقية، وربما أدى ذلك إلى بطلان الحياة بحقيقتها أو معناها. ثم إن الآية أبهمت ثانياً أمر هذه الأشياء التي نهت عن السؤال عنها، ولم توضح من أمرها إلاَّ أنها بحيث إن تبد لهم تسؤهم " الخ " ، ومما لا يرتاب فيه أن قوله { إن تبد لكم تسؤكم } نعت للأشياء، وهي جملة شرطية تدل على تحقق وقوع الجزاء على تقدير وقوع الشرط، ولازمه أن تكون هذه أشياء تسؤهم إن أُبدئت لهم فطلب إبدائها وإظهارها بالمسألة طلب للمساءة. فيستشكل بأن الإِنسان العاقل لا يطلب ما يسؤه، ولو قيل لا تسألوا عن أشياء فيها ما إن تبد لكم تسؤكم، أو لا تسألوا عن أشياء لا تأمنون أن تسوءكم إن تبد لكم لم يلزم محذور.

السابقالتالي
2 3 4 5