الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

بيان فصل ثان من آيات السورة يعرف سبحانه فيه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تعريف إكبار وإعظام بأنه أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً طاعته طاعة الله وبيعته بيعة الله، وقد كان الفصل الأول امتناناً منه تعالى على نبيّه بالفتح والمغفرة وإتمام النعمة والهداية والنصر وعلى المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم وإدخال الجنة ووعيد المشركين والمنافقين بالغضب واللعن والنار. قوله تعالى { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } المراد بشهادته صلى الله عليه وآله وسلم شهادته على الأعمال من إيمان وكفر وعمل صالح أو طالح، وقد تكرر في كلامه تعالى ذكر شهادته صلى الله عليه وآله وسلم، وتقدم استيفاء الكلام في معنى هذه الشهادة، وهي شهادة حمل في الدنيا، وأداء في الآخرة. وكونه مبشراً تبشيره لمن آمن واتقى بالقرب من الله وجزيل ثوابه، وكونه نذيراً إنذاره وتخويفه لمن كفر وتولى بأليم عذابه. قوله تعالى { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبّحوه بكرة وأصيلاً } القراءة المشهورة بتاء الخطاب في الأفعال الأربعة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة في الجميع وقراءتهما أرجح بالنظر إلى السياق. وكيف كان فاللام في { لتؤمنوا } للتعليل أي أرسلناك كذا وكذا لتؤمنوا بالله ورسوله. والتعزير - على ما قيل - النصر والتوقير التعظيم كما قال تعالىما لكم لا ترجون لله وقاراً } نوح 13، والظاهر أن الضمائر في { تعزروه وتوقروه وتسبحوه } جميعاً لله تعالى والمعنى إنا أرسلناك كذا وكذا ليؤمنوا بالله ورسوله وينصروه تعالى بأيديهم وألسنتهم ويعظموه ويسبحوه - وهو الصلاة - بكرة وأصيلاً أي غداة وعشيا. وقيل الضميران في { تعزروه وتوقروه } للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وضمير { تسبحوه } لله تعالى ويوهنه لزوم اختلاف الضمائر المتسقة. قوله تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } إلى آخر الآية. البيعة نوع من الميثاق ببذل الطاعة قال في المفردات وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له انتهى، والكلمة مأخوذة من البيع بمعناه المعروف فقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا إنجاز البيع أعطى البايع يده للمشتري فكأنهم كانوا يمثلون بذلك نقل الملك بنقل التصرفات التي يتحقق معظمها باليد إلى المشتري بالتصفيق، وبذلك سمي التصفيق عند بذل الطاعة بيعة ومبايعة، وحقيقة معناه إعطاء المبايع يده للسلطان مثلاً ليعمل به ما يشاء. فقوله { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } تنزيل بيعته صلى الله عليه وآله وسلم منزلة بيعته تعالى بدعوى أنها هي فما يواجهونـــه صلى الله عليه وآله وسلم بـــه مـــــن بذل الطاعـــة لا يواجهـــون بـــه إلا الله سبحانـــه لأن طاعته طاعة الله ثم قرره زيادة تقرير وتأكيد بقوله { يد الله فوق أيديهم } حيث جعل يده صلى الله عليه وآله وسلم يد الله كما جعل رميه صلى الله عليه وآله وسلم رمي نفسه في قوله

السابقالتالي
2 3