الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

بيان فصل رابع من الآيات يذكّر تعالى فيه المؤمنين ممن كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خروجه إلى الحديبية فيذكّر رضاه عنهم إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة ثم يمتنّ عليهم بإنزال السكينة وإثابة فتح قريب ومغانم كثيرة يأخذونها. ويخبرهم - وهو بشرى - أن المشركين لو قاتلوهم لانهزموا وولّوا الأدبار وأن الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا صادقة سيدخلون المسجد الحرام آمنين محلّقين رؤوسهم لا يخافون فإنه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. قوله تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } الرضا هيئة تطرأ على النفس من تلقّي ما يلائمها وتقبله من غير دفع، ويقابله السخط، وإذا نسب إلى الله سبحانه كان المراد الإِثابة والجزاء الحسن دون الهيئة الطارئة والصفة العارضة الحادثة لاستحالة ذلك عليه تعالى فرضاه سبحانه من صفات الفعل لا من صفات الذات. والرضا - كما قيل - يستعمل متعدياً إلى المفعول بنفسه ومتعدياً بعن ومتعدياً بالباء فإذا عدّي بنفسه جاز دخوله على الذات نحو رضيت زيداً، وعلى المعنى نحو رضيت أمارة زيد، قال تعالىورضيت لكم الإِسلام ديناً } المائدة 3، وإذا عدّي بعن دخل على الذات كقولهرضي الله عنهم ورضوا عنه } المجادلة 22، وإذا عدّي بالباء دخل على المعنى كقوله تعالى { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة }. ولما كان الرضا المنسوب إليه تعالى صفة فعل له بمعنى الإِثابة والجزاء، والجزاء إنما يكون بإزاء العمل دون الذات ففيما نسب من رضاه تعالى إلى الذات وعدّي بعن كما في الآية { لقد رضي الله عن المؤمنين } نوع عناية استدعى عد الرضا وهو متعلق بالعمل متعلقاً بالذات وهو أخذ بيعتهم التي هي متعلقة الرضا ظرفاً للرضى فلم يسع إلا أن يكون الرضا متعلقاً بهم أنفسهم. فقوله { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } إخبار عن إثابته تعالى لهم بإزاء بيعتهم له صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة. وقد كانت البيعة يوم الحديبية تحت شجرة سمرة بها بايعه صلى الله عليه وآله وسلم من معه من المؤمنين وقد ظهر به أن الظرف في قوله { إذ يبايعونك } متعلق بقوله { لقد رضي } واللام للقسم. قوله تعالى { فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً } تفريع على قوله { لقد رضي الله } الخ، والمراد بما في قلوبهم حسن النية وصدقها في مبايعتهم فإن العمل إنما يكون مرضياً عند الله لا بصورته وهيئته بل بصدق النية وإخلاصها. فالمعنى فعلم ما في قلوبهم من صدق النية وإخلاصها في مبايعتهم لك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد