الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

بيان الآيات جارية على السياق السابق. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } تحضيض لهم على الجهاد ووعد لهم بالنصر إن نصروا الله تعالى فالمراد بنصرهم لله أن يجاهدوا في سبيل الله على أن يقاتلوا لوجه الله تأييداً لدينه وإعلاء لكلمة الحق لا ليستعلوا في الأرض أو ليصيبوا غنيمة أو ليظهروا نجدة وشجاعة. والمراد بنصر الله لهم توفيقه الأسباب المقتضية لظهورهم وغلبتهم على عدوهم كإلقاء الرعب في قلوب الكفار وإدارة الدوائر للمؤمنين عليهم وربط جأش المؤمنين وتشجيعهم، وعلى هذا فعطف تثبيت الأقدام على النصر من عطف الخاص على العام وتخصيص تثبيت الأقدام، وهو كناية عن التشجيع وتقوية القلوب، لكونه من أظهر أفراد النصر. قوله تعالى { والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم } ذكر ما يفعل بالكفار عقيب ذكر ما يفعل بالمؤمنين الناصرين لله لقياس حالهم من حالهم. والتعس هو سقوط الإِنسان على وجهه وبقاؤه عليه ويقابله الانتعاش وهو القيام عن السقوط على الوجه فقوله " تعساً لهم " أي تعسوا تعساً وهو وما يتلوه دعاء عليهم نظير قولهقاتلهم الله أنى يؤفكون } المنافقون 4،قتل الإِنسان ما أكفره } عبس 17، ويمكن أن يكون إخباراً عن تعسهم وبطلان أثر مساعيهم على نحو الكناية فإن الإِنسان أعجز ما يكون إذا كان ساقطاً على وجهه. قوله تعالى { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } المراد بما أنزل الله هو القرآن والشرائع والأحكام التي أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بإطاعتها والانقياد لها فكرهوها واستكبروا عن اتباعها. والآية تعليل مضمون الآية السابقة، والمعنى ظاهر. قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها } التدمير الإِهلاك، يقال دمَّره الله أي أهلكه، ويقال دمَّر الله عليه أي أهلك ما يخصه من نفس وأهل ودار وعقار فدمَّر عليه أبلغ من دمَّره كما قيل، وضمير { أمثالها } للعاقبة أو للعقوبة المدلول عليها بسابق الكلام. والمراد بالكافرين الكافرون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى وللكافرين بك يا محمد أمثال تلك العاقبة أو العقوبة وإنما أوعدوا بأمثال العاقبة أو العقوبة ولا يحلّ بهم إلا مثل واحد لأنهم في معرض عقوبات كثيرة دنيوية وأخروية وإن كان لا يحلّ بهم إلا بعضها، ويمكن أن يراد بالكافرين مطلق الكافرين، والجملة من باب ضرب القاعدة. قوله تعالى { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } الإِشارة بذلك إلى ما تقدم من نصر المؤمنين ومقت الكافرين وسوء عاقبتهم، ولا يصغى إلى ما قيل إنه إشارة إلى ثبوت عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وكذا ما قيل إنه إشارة إلى نصر المؤمنين، وذلك لأن الآية متعرضة لحال الطائفتين المؤمنين والكفار جميعاً.

السابقالتالي
2 3 4