الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ بيان } هذه هي القصة الثانية عقبت بها قصة عاد ليعتبر بها قومه صلى الله عليه وآله وسلم إن اعتبروا، وفيه تقريع للقوم حيث كفروا به صلى الله عليه وآله وسلم وبكتابه النازل على لغتهم وهم يعلمون أنها آية معجزة وهم مع ذلك يماثلونه في النوعية البشرية وقد آمن الجن بالقرآن إذ استمعوا إليه ورجعوا إلى قومهم منذرين. قوله تعالى { وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن } إلى آخر الآية الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أو من مكان إلى مكان، والنفر - على ما ذكره الراغب - عدة من الرجال يمكنهم النفر وهو اسم جمع يطلق على ما فوق الثلاثة من الرجال والنساء والإِنسان وعلى الجن كما في الآية { ويستمعون القرآن } صفة نفر، والمعنى واذكر إذ وجهنا إليك عدة من الجن يستمعون القرآن. وقوله { فلما حضروه قالوا انصتوا } ضمير { حضروه } للقرآن بما يلمح إليه من المعنى الحدثي والإِنصات السكوت للاستماع أي فلما حضروا قراءة القرآن وتلاوته قالوا أي بعضهم لبعض اسكتوا حتى نستمع حق الاستماع. وقوله { فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين } ضمير { قضي } للقرآن باعتبار قراءته وتلاوته، والتولية الإِنصراف و { منذرين } حال من ضمير الجمع في { ولوا } أي فلما أُتمت القراءة وفرغ منها انصرفوا إلى قومهم حال كونهم منذرين مخوفين لهم من عذاب الله. قوله تعالى { قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه } الخ، حكاية دعوتهم قومهم وإنذارهم لهم، والمراد بالكتاب النازل بعد موسى القرآن، وفي الكلام إشعار بل دلالة على كونهم مؤمنين بموسى عليه السلام وكتابه، والمراد بتصديق القرآن لما بين يديه تصديقه التوراة أو جميع الكتب السماوية السابقة. وقوله { يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } أي يهدي من اتبعه إلى صراط الحق وإلى طريق مستقيم لا يضل سالكوه عن الحق في الاعتقاد والعمل. قوله تعالى { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } المراد بداعي الله هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالىقل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة } يوسف 108، وقيل المراد به ما سمعوه من القرآن وهو بعيد. والظاهر أن { من } في { يغفر لكم من ذنوبكم } للتبعيض، والمراد مغفرة بعض الذنوب وهي التي اكتسبوها قبل الإِيمان، قال تعالىإن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } الأنفال 38. وقيل المراد بهذا البعض حقوق الله سبحانه فإنها مغفورة بالتوبة والإِيمان توبة وأما حقوق الناس فإنها غير مغفورة بالتوبة، وردّ بأن الإِسلام يجبّ ما قبله. قوله تعالى { ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء } الخ، أي ومن لم يؤمن بداعي الله فليس بمعجز لله في الأرض بردّ دعوته وليس له من دون الله أولياء ينصرونه ويمدُّونه في ذلك، والمحصل أن من لم يجب داعي الله في دعوته فإنما ظلم نفسه وليس له أن يعجز الله بذلك لا مستقلاً ولا بنصرة من ينصره من الأولياء فليس له أولياء من دون الله، ولذلك أتمَّ الكلام بقوله { أولئك في ضلال مبين }.

السابقالتالي
2 3 4