الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

بيان لما قسّم الناس في قوله { لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين } إلى ظالمين ومحسنين وأُشير فيه إلى أن للظالمين ما يخاف ويحذر وللمحسنين ما يسرّ الإِنسان ويبشر به عقّب ذلك في هذا الفصل من الآيات بتفصيل القول فيه، وأن الناس بين قوم تائبين إلى الله مسلمين له وهم الذين يتقبل أحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، وقوم خاسرين حقَّ عليهم القول في أُمم قد خلت من قبلهم من الجن والإِنس. ومثل الطائفة الأولى بمن كان مؤمناً بالله مسلماً له بارّاً بوالديه يسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم عليه وعلى والديه والعمل الصالح وإصلاح ذرّيته، والطائفة الثانية بمن كان عاقّاً لوالديه إذا دعواه إلى الإِيمان بالله واليوم الآخر فيزجرهما ويعدّ ذلك من أساطير الأولين. قوله تعالى { ووصيّنا الإِنسان بوالديه إحساناً } إلى آخر الآية، الوصيّة على ما ذكره الراغب هو التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ والتوصية تفعيل من الوصية قال تعالىووصّى بها إبراهيم بنيه } البقرة 132، فمفعوله الثاني الذي يتعدى إليه بالباء من قبيل الأفعال، فالمراد بالتوصية بالوالدين التوصية بعمل يتعلق بهما وهو الإِحسان إليهما. وعلى هذا فتقدير الكلام ووصّينا الإِنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحساناً. وفي إعراب { إحساناً } أقوال أُخر كقول بعضهم إنه مفعول مطلق على تضمين { وصينا } معنى أحسنّا، والتقدير وصينا الإِنسان محسنين إليهما إحساناً، وقول بعضهم إنه صفة لمصدر محذوف بتقدير مضاف أي إيصاءً ذا إحسان، وقول بعضهم هو مفعول له، والتقدير وصيناه بهما لإِحساننا إليهما، إلى غير ذلك مما قيل. وكيف كان فبرّ الوالدين والإِحسان إليهما من الأحكام العامة المشرعة في جميع الشرائع كما تقدم في تفسير قوله تعالىقل تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } الأنعام 151، ولذلك قال { ووصينا الإِنسان } فعمّمه لكل إنسان. ثم عقَّبه سبحانه بالإِشارة إلى ما قاسته امه في حمله ووضعه وفصاله إشعاراً بملاك الحكم وتهييجاً لعواطفه وإثارة لغريزة رحمته ورأفته فقال { حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } أي حملته امه حملاً ذا كره أي مشقة وذلك لما في حمله من الثقل، ووضعته وضعاً ذا كره وذلك لما عنده من ألم الطلق. وأما قوله { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } فقد اخذ فيه أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر والحولان الباقيان إلى تمام ثلاثين شهراً مدة الرضاع، قال تعالىوالوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } البقرة 233، وقالوفصاله في عامين } لقمان 14. والفصال التفريق بين الصبي وبين الرضاع، وجعل العامين ظرفاً للفصال بعناية أنه في آخر الرضاع ولا يتحقق إلا بانقضاء عامين. وقوله { حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة } بلوغ الأشد بلوغ زمان من العمر تشتد فيه قوى الإِنسان، وقد مرَّ نقل اختلافهم في معنى بلوغ الأشد في تفسير قوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7