الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

بيان لما ذكر آيات الوحدانية وأشار فيها بعض الإِشارة إلى المعاد وكذا إلى النبوّة في ضمن ذكر تنزيل الكتاب وإيعاد المستكبرين المستهزئين به ذكر في هذه الآيات تشريع الشريعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتوسّل إلى ذلك بمقدمتين تربطانه بما تقدم من الكلام إحداهما دعوة المؤمنين إلى أن يكفوا عن التعرض لحال الكفار الذين لا يرجون أيام الله فإن الله مجازيهم لأن الأعمال مسؤول عنها صالحة أو طالحة، وهذا هو السبب لتشريع الشريعة، والثانية أن إنزال الكتاب والحكم والنبوة ليس ببدع فقد آتى الله بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة وآتاهم البينات التي لا يبقى معها في دين الله ريب لمرتاب إلا أن علماءهم اختلفوا فيه بغياً منهم وسيقضي الله بينهم. ثم ذكر سبحانه تشريع الشريعة له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الجاهلين. قوله تعالى { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الخ، أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر المؤمنين أن يغفروا للكفار فيصير تقدير الآية قل لهم اغفروا يغفروا فهي كقوله تعالىقل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } إبراهيم 31. والآية مكية واقعة في سياق الآيات السابقة الواصفة لحال المستكبرين المستهزئين بآيات الله المهددة لهم بأشد العذاب وكأن المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا إذا رأوا هؤلاء المستهزئين يبالغون في طعنهم وإهانتهم للنبي واستهزائهم بآيات الله لم يتمالكوا أنفسهم دون أن يدافعوا عن كتاب الله ومن أرسله به ويدعوهم إلى رفض ما هم فيه والإِيمان مع كونهم ممن حقّت عليهم كلمة العذاب كما هو ظاهر الآيات السابقة، فأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم بالعفو والصفح عنهم وعدم التعرض لحالهم فإن وبال أعمالهم سيلحق بهم وجزاء ما كسبوه سينالهم. وعلى هذا فالمراد بالمغفرة في قوله { قل للذين آمنوا يغفروا } الصفح والإِعراض عنهم بترك مخاصمتهم ومجادلتهم، والمراد بالذين لا يرجون أيام الله هم الذين ذكروا في الآيات السابقة فإنهم لا يتوقعون لله أياماً لا حكم فيها ولا ملك إلا له تعالى كيوم الموت والبرزخ ويوم القيامة ويوم عذاب الاستئصال. وقوله { ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون } تعليل للأمر بالمغفرة أو للأمر بالأمر بالمغفرة ومحصله ليصفحوا عنهم ولا يتعرضوا لهم، فلا حاجة إلى ذلك لأن الله سيجزيهم بما كانوا يكسبون فتكون الآية نظيرة قولهوذرني والمكذبين أُولي النعمة ومهّلهم قليلاً إن لدينا أنكالاً وجحيماً } المزمل 11 - 12، وقولهثم ذرهم في خوضهم يلعبون } الأنعام 91، وقولهفذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون } المعارج 42، وقولهفاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون } الزخرف 89. ومعنى الآية مر الذين آمنوا أن يعفوا ويصفحوا عن أُولئك المستكبرين المستهزئين بآيات الله الذين لا يتوقعون أيام الله ليجزيهم الله بما كانوا يكسبون ويوم الجزاء يوم من أيامه أي ليصفحوا عن هؤلاء المنكرين لآيام الله حتى يجزيهم بأعمالهم في يوم من أيامه.

السابقالتالي
2 3