بيان رجوع إلى إنذار القوم وفيه تخويفهم بالساعة والإِشارة إلى ما يؤول إليه حال المتقين والمجرمين فيها من الثواب والعقاب. قوله تعالى { هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون } النظر الانتظار، والبغتة الفجأة، و المراد بعدم شعورهم بها غفلتهم عنها لاشتغالهم بامور الدنيا كما قال تعالى{ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون } يس 49، فلا يتكرر المعنى في قوله { بغتة وهم لا يشعرون }. والمعنى ما ينتظر هؤلاء الكفار بكفرهم وتكذيبهم لآيات الله إلا أن تأتيهم الساعة مباغتة لهم وهم غافلون عنها مشتغلون بامور دنياهم أي إن حالهم حال من هدَّده الهلاك فلم يتوسل بشيء من أسباب النجاة وقعد ينتظر الهلاك ففي الكلام كناية عن عدم اعتنائهم بالإِيمان بالحق ليتخلصوا به عن أليم العذاب. قوله تعالى { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } الأخلاء جمع خليل وهو الصديق حيث يرفع خلة صديقه وحاجته، والظاهر أن المراد المطلق الشامل للمخالّة والتحابّ في الله كما في مخالة المتقين أهل الآخرة والمخالة في غيره كما في مخالة أهل الدنيا فاستثناء المتقين متصل. والوجه في عداوة الأخلاء غير المتقين أن من لوازم المخالة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أموره فإذا كانت لغير وجه الله كان فيها الإِعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما قال تعالى حاكياً عن الظالمين يوم القيامة{ يٰويلتىٰ ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلَّني عن الذكر بعد إذ جاءني } الفرقان 28 - 29، وأما الأخلاء من المتقين فإن مخالتهم تتأكد وتنفعهم يومئذٍ. وفي الخبر النبوي إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلّت الأنساب وذهبت الأخوّة إلا الأخوة في الله وذلك قوله { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين }. قوله تعالى { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } من خطابه تعالى لهم يوم القيامة كما يشهد به قوله بعد { ادخلوا الجنة } الخ، وفي الخطاب تأمين لهم من كل مكروه محتمل أو مقطوع به فإن مورد الخوف المكروه المحتمل ومورد الحزن المكروه المقطوع به فإذا ارتفعا ارتفعا. قوله تعالى { الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } الموصول بدل من المنادى المضاف في { يا عباد } أو صفة له، والآيات كل ما يدل عليه تعالى من نبي وكتاب وأي آية أُخرى دالة، والمراد بالإِسلام التسليم لإِرادة الله وأمره. قوله تعالى { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } ظاهر الأمر بدخول الجنة أن المراد بالأزواج هي النساء المؤمنات في الدنيا دون الحور العين لأنهن في الجنة غير خارجات منها. والحبور - على ما قيل - السرور الذي يظهر أثره وحُباره في الوجه والحبرة الزينة وحسن الهيئة، والمعنى ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم المؤمنات والحال أنكم تسرّون سروراً يظهر أثره في وجوهكم أو تزينون بأحسن زينة.