الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }

بيان إشارة إلى قصة عيسى بعد الفراغ عن قصة موسى عليهما السلام وقدم عليها مجادلتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عيسى عليه السلام وأُجيب عنها. قوله تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدُّون } إلى قوله { خصمون } الآية إلى تمام أربع آيات أو ست آيات حول جدال القوم فيما ضرب من مثل ابن مريم، والذي يتحصل بالتدبر فيها نظراً إلى كون السورة مكية ومع قطع النظر عن الروايات هو أن المراد بقوله { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } هو ما أنزله الله من وصفه في أول سورة مريم فإنها السورة المكية الوحيدة التي وردت فيها قصة عيسى ابن مريم عليه السلام تفصيلاً، والسورة تقص قصص عدة من النبيين بما أن الله أنعم عليهم كما تختتم قصصهم بقولهأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } النساء 69، وقد وقع في هذه الآيات قوله { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } وهو من الشواهد على كون قوله { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } إشارة إلى ما في سورة مريم. والمراد بقوله { إذا قومك منه يصدُّون } بكسر الصاد أي يضجون ويضحكون ذم لقريش في مقابلتهم المثل الحق بالتهكم والسخرية، وقرئ { يصدُّون } بضم الصاد أي يعرضون وهو أنسب للجملة التالية. وقوله { وقالوا ءألهتنا خير أم هو } الاستفهام للانكار أي آلهتنا خير من ابن مريم كأنهم لما سمعوا اسمه بما يصفه القرآن به من النعمة والكرامة أعرضوا عنه بما يصفه به القرآن وأخذوه بما له من الصفة عند النصارى أنه إِله ابن إِله فردُّوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن آلهتنا خير منه وهذا من أسخف الجدال كأنهم يشيرون بذلك إلى أن الذي في القرآن من وصفه لا يعتنى به وما عند النصارى لا ينفع فإن آلهتهم خير منه. وقوله { ما ضربوه لك إلا جدلاً } أي ما وجَّهوا هذا الكلام { ءألهتنا خير أم هو } اليك إلا جدلاً يريدون به إبطال المثل المذكور وإن كان حقاً { بل هم قوم خصمون } أي ثابتون على خصومتهم مصرُّون عليها. وقوله { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } رد لما يستفاد من قولهم { ءألهتنا خير أم هو } أنه إله النصارى كما سيجيء. وقال الزمخشري في الكشاف وكثير من المفسرين ونسب إلى ابن عباس وغيره في تفسير الآية إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ قوله تعالى { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } على قريش امتعضوا من ذلك امتعاضاً شديداً فقال ابن الزبعرى يا محمد، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم. فقال خصمتك ورب الكعبة ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيراً وعلى أُمه؟ وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزير يعبد والملائكة يعبدون فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا وسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } ونزلت هذه الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5