الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

بيان لما انجرّ الكلام إلى ردِّهم رسالة الرسول وكفرهم بها تحكماً وتشبّثهم في الشرك بذيل تقليد الآباء والأسلاف من غير دليل عقّب ذلك بالإِشارة إلى قصة إبراهيم عليه السلام ورفضه تقليد أبيه وقومه وتبرّيه عما يعبدونه من دون الله سبحانه واستهدائه هدى ربه الذي فطره. ثم يذكر تمتيعه لهم بنعمه وكفرانهم بها بالكفر بكتاب الله وطعنهم فيه وفي رسوله بما هو مردود عليهم. ثم يذكر تبعة الإِعراض عن ذكر الله وما تنتهي إليه من الشقاء والخسران، ويعطف عليه إياس النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إيمانهم وتهديدهم بالعذاب ويؤكد الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستمسك بالقرآن وأنه لذكر له ولقومه وسوف يسألون عنه، وأن الذي فيه من دين التوحيد هو الذي كان عليه الأنبياء السابقون عليه. قوله تعالى { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون } البراء مصدر من برئ يبرأ فهو بريء فمعنى { إنني براء } إنني ذو براء أو بريء على سبيل المبالغة مثل زيد عدل. وفي الآية إشارة إلى تبرّي إبراهيم عليه السلام مما كان يعبده أبوه وقومه من الأصنام والكواكب بعد ما حاجَّهم فيها فاستندوا فيها إلى سيرة آبائهم على ما ذكر في سور الأنعام والأنبياء والشعراء وغيرها. والمعنى واذكر لهم إذ تبرَّأ إبراهيم عن آلهة أبيه وقومه إذ كانوا يعبدونها تقليداً لآبائهم من غير حجة وقام بالنظر وحده. قوله تعالى { إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } أي إلا الذي أوجدني وهو الله سبحانه، وفي توصيفه تعالى بالفطر إشارة إلى الحجة على ربوبيته وأُلوهيته فإن الفطر والإِيجاد لا ينفكّ عن تدبير أمر الموجود المفطور فالذي فطر الكلّ هو الذي يدبّر أمرهم فهو الحقيق أن يعبد. وقوله { فإنه سيهدين } أي إلى الحق الذي أطلبه، وقيل أي إلى طريق الجنة، وفي هذه الجملة إشارة إلى خاصة أخرى ربوبية وهي الهداية إلى السبيل الحق يجب أن يسلكه الإِنسان فإن السوق إلى الكمال من تمام التدبير فعلى الرب المدبّر لأمر مربوبه أن يهديه إلى كماله وسعادته، قال تعالىربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } طه 50، وقالوعلى الله قصد السبيل } النحل 9، فالرجوع إلى الله بتوحيد العبادة يستتبع الهداية كما قال تعالىوالذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت 69. والاستثناء في قوله { إلا الذي فطرني } منقطع لأن الوثنيين لا يعبدون الله كما مرَّ مراراً، فقول بعضهم إنه متصل، وأنهم كانوا يقولون الله ربنا مع عبادتهم الأوثان، كما ترى. قوله تعالى { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } الظاهر أن ضمير الفاعل المستتر في { جعلها } لله سبحانه، والضمير البارز - على ما قيل - لكلمة البراءة التي تكلم بها إبراهيم عليه السلام ومعناها معنى كلمة التوحيد فإن مفاد { لا إله إلا الله } نفي الآلهة غير الله لا نفي الآلهة وإثبات الإِله تعالى وهو ظاهر فلا حاجة إلى ما تكلف به بعضهم أن الضمير لكلمة التوحيد المعلوم مما تكلم به إبراهيم عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10