الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } * { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

بيان حكاية بعض أقوالهم التي دعاهم إلى القول بها الإِسراف والكفر بالنعم وهو قولهم بالولد وأن الملائكة بنات الله سبحانه، واحتجاجهم على عبادتهم الملائكة ورده عليهم. قوله تعالى { وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإِنسان لكفور مبين } المراد بالجزء الولد فإن الولادة إنما هي الاشتقاق فالولد جزء من والده منفصل منه متصور بصورته. وإنما عبّر عن الولد بالجزء للإِشارة إلى استحالة دعواهم، فإن جزئية شيء من شيء كيفما تصورت لا تتم الا بتركب في ذلك الشيء والله سبحانه واحد من جميع الجهات. وقد بان بما تقدم أن { من عباده } بيان لقوله { جزءاً } ولا ضير في تقدّم هذا النوع من البيان على المبين ولا في جمعية البيان وإفراد المبين. قوله تعالى { أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين } أي أخلصكم للبنين فلكم بنون وليس له إلا البنات وأنتم ترون أن البنت أخسّ من الابن فتثبتون له أخس الصنفين تخصون أنفسكم بأشرفهما، وهذا مع كونه قولاً محالاً في نفسه إزراء وإهانة ظاهرة وكفران. وتقييد اتخاذ البنات بكونه مما يخلق لكونهم قائلين بكون الملائكة - على ربوبيتهم وألوهيتهم - مخلوقين لله، والالتفات في الآية إلى خطابهم لتأكيد الإِلزام وتثبيت التوبيخ، والتنكير والتعريف في { بنات } و { البنين } للتحقير والتفخيم. قوله تعالى { وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم } المثل هو المثل والشبه المجانس للشيء وضرب الشيء مثلاً أخذه مجانساً للشيء " وما ضرب للرحمن مثلاً " الأنثى، والكظيم المملوء كرباً وغيظاً. والمعنى وحالهم أنه إذا بشّر أحدهم بالأنثى الذي جعلها شبهاً مجانساً للرحمن صار وجهه مسوداً من الغم وهو مملوء كرباً وغيظاً لعدم رضاهم بذلك وعدّه عاراً لهم لكنهم يرضونه له. والالتفات في الآية إلى الغيبة لحكاية شنيع سيرتهم وقبيح طريقتهم للغير حتى يتعجب منه. قوله تعالى { أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين } أي أو جعلوا لله سبحانه من ينشؤ في الحلية أي يتربى في الزينة وهو في المخاصمة والمحاجة غير مبين لحجته لا يقدر على تقرير دعواه. وإنما ذكر هذين النعتين لأن المرأة بالطبع أقوى عاطفة وشنقة وأضعف تعقلاً بالقياس إلى الرجل وهو بالعكس ومن أوضح مظاهر قوة عواطفها تعلقها الشديد بالحلية والزينة وضعفها في تقرير الحجة المبني على قوة التعقل. قوله تعالى { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } الخ، هذا معنى قولهم إن الملائكة بنات الله وقد كان يقول به طوائف من عرب الجاهلية وأما غيرهم من الوثنية فربما عدوا في آلهتهم إلهة هي أم إله أو بنت إله لكن لم يقولوا بكون جميع الملائكة إناثاً كما هو ظاهر المحكي في الآية الكريمة.

السابقالتالي
2 3 4