الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

بيان السورة موضوعة للإِنذار كما تشهد به فاتحتها وخاتمتها والمقاصد المتخللة بينهما إلا ما في قوله { إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم } إلى تمام ست آيات استطرادية. تذكر أن السنَّة الإِلهية إنزال الذكر وإرسال الأنبياء والرسل ولا يصده عن ذلك إسراف الناس في قولهم وفعلهم بل يرسل الأنبياء والرسل ويهلك المستهزئين بهم والمكذبين لهم ثم يسوقهم إلى نار خالدة. وقد ذكرت إرسال الأنبياء بالإِجمال أولاً ثم سمِّي منهم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام، وذكرت من إسراف الكفار أشياء ومن عمدتها قولهم بأن لله سبحانه ولداً وأن الملائكة بنات الله ففيها عناية خاصة بنفي الولد عنه تعالى فكرّرت ذلك وردَّته وأوعدتهم بالعذاب، وفيها حقائق متفرقة أخرى. والسورة مكية بشهادة مضامين آياتها إلا قوله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } الآية، ولم يثبت كما سيأتي إن شاء الله. قوله تعالى { والكتاب المبين } ظاهره أنه قسم وجوابه قوله { إنا جعلناه قرآناً عربياً } إلى آخر الآيتين، وكون القرآن مبيناً هو إبانته وإظهاره طريق الهدى كما قال تعالىونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } النحل 89، أو كونه ظاهراً في نفسه لا يرتاب فيه كما قالذلك الكتاب لا ريب فيه } البقرة 2. قوله تعالى { إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون } الضمير للكتاب، و { قرآناً عربياً } أي مقروءاً باللغة العربية و { لعلكم تعقلون } غاية الجعل وغرضه. وجعل رجاء تعقله غاية للجعل المذكور يشهد بأن له مرحلة من الكينونة والوجود لا ينالها عقول الناس، ومن شأن العقل أن ينال كل أمر فكري وإن بلغ من اللطافة والدقة ما بلغ فمفاد الآية أن الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمر وراء الفكر أجنبي عن العقول البشرية وإنما جعله الله قرآناً عربياً وألبسه هذا اللباس رجاء أن يستأنس به عقول الناس فيعقلوه، والرجاء في كلامه تعالى قائم بالمقام أو المخاطب دون المتكلم كما تقدم غير مرة. قوله تعالى { وإنه في أُم الكتاب لدينا لعلي حكيم } تأكيد وتبيين لما تدلُّ عليه الآية السابقة أن الكتاب في موطنه الأصلي وراء تعقل العقول. والضمير للكتاب، والمراد بأم الكتاب اللوح المحفوظ كما قال تعالىبل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } البروج 21 - 22، وتسميته بأم الكتاب لكونه أصل الكتب السماوية يستنسخ منه غيره، والتقييد بأم الكتاب و { لدينا } للتوضيح لا للاحتراز، والمعنى أنه حال كونه في أُم الكتاب لدينا - حالاً لازمة - لعلي حكيم، وسيجيء في أواخر سورة الجاثية كلام في أُم الكتاب إن شاء الله. والمراد بكونه عليّاً على ما يعطه مفاد الآية السابقة أنه رفيع القدر والمنزلة من أن تناله العقول، وبكونه حكيماً أنه هناك محكم غير مفصّل ولا مُجزّأ إلى سور وآيات وجمل وكلمات كما هو كذلك بعد جعله قرآناً عربياً كما استفدناه من قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5