الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

بيان تتضمن الآيات آخر ما يفيده سبحانه في تعريف الوحي في هذه السورة وهو تقسيمه إلى ثلاثة أقسام وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ثم يذكر أنه يوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم ما يوحي، على هذه الوتيرة وأن ما أُوحي إليه منه تعالى لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ذلك من نفسه بل هو نور يهدي به الله من يشاء من عباده ويهدي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإذنه. قوله تعالى { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } الخ، قد تقدم البحث عن معنى كلامه تعالى في الجزء الثاني من الكتاب، وإطلاق الكلام على كلامه تعالى والتكليم على فعله الخاص سواء كان إطلاقاً حقيقياً أو مجازياً واقع في كلامه تعالى قاليا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } الأعراف 144، وقالوكلَّم الله موسى تكليماً } النساء 164، ومن مصاديق كلامه ما يتلقاه الأنبياء عليهم السلام منه تعالى بالوحي. وعلى هذا لا موجب لعدّ الاستثناء في قوله { إلا وحياً } منقطعاً بل الوحي والقسمان المذكوران بعده من تكليمه تعالى للبشر سواء كان إطلاق التكليم عليها إطلاقاً حقيقياً أو مجازياً فكل واحد من الوحي وما كان من وراء حجاب وما كان بإرسال رسول نوع من تكليمه للبشر. فقوله { وحياً } - والوحي الإِشارة السريعة على ما ذكره الراغب - مفعول مطلق نوعي وكذا المعطوفان عليه في معنى المصدر النوعي، والمعنى ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعاً من أنواع التكليم إلا هذه الأنواع الثلاثة أن يوحى وحياً أو يكون من وراء حجاب أو أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء. ثم إن ظاهر الترديد في الآية بأو هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام وقد قيّد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب، والرسول الذي يوحي إلى النبي ولم يقيّد القسم الأول بشيء فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالى وبين النبي أصلاً، وأما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد وهو الحجاب أو الرسول الموحي وكل منهما واسطة غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه والحجاب واسطة ليس بموحٍ وإنما الوحي من ورائه. فتحصَّل أن القسم الثالث { أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } وحي بتوسُّط الرسول الذي هو ملك الوحي فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله سبحانه قال تعالىنزل به الروح الأمين على قلبك } الشعراء 193 - 194، وقالقل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزَّله على قلبك بإذن الله }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7