الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

بيان فصل ثان من الآيات يعرف فيه الوحي من حيث الغاية المترتبة عليه كما عرفه في الفصل السابق بالإِشارة إليه نفسه. فبين في هذا الفصل أن الغرض من الوحي إنذار الناس وخاصة الإِنذار المتعلق بيوم الجمع الذي يتفرق فيه الناس فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير إذ لولا الإِنذار بيوم الجمع الذي فيه الحساب والجزاء لم تنجح دعوة دينية ولم ينفع تبليغ. ثم بين أن تفرقهم فريقين هو الذي شاءه الله سبحانه فعقبه بتشريع الدين وإنذار الناس يوم الجمع من طريق الوحي لأنه وليهم الذي يحييهم بعد موتهم الحاكم بينهم فيما اختلفوا فيه. ثم ساق الكلام فانتقل إلى توحيد الربوبية وأنه تعالى هو الرب لا رب غيره لاختصاصه بصفات الربوبية من غير شريك يشاركه في شيء منها. قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآناًعربياً لتنذر أم القرى ومن حولها } الإِشارة الى الوحي المفهوم من سابق السياق، وأم القرى هي مكة المشرفة والمراد بإنذار أم القرى إنذار أهلها، والمراد بمن حولها سائر أهل الجزيرة ممن هو خارج مكة كما يؤيده توصيف القرآن بالعربية. وذلك أن الدعوة النبوية كانت ذات مراتب في توسعها فابتدأت الدعوة العلنية بدعوة العشيرة الأقربين كما قالوأنذر عشيرتك الأقربين } الشعراء 214 ثم توسعت فتعلقت بالعرب عامة كما قالقرآناً عربياً لقوم يعلمون } فصلت 3 ثم بجميع الناس كما قال { وأُنزل إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ }. ومن الدليل على ما ذكرناه من الأمر بالتوسع تدريجاً قوله تعالىقل ما أسألكم عليه من أجر } ص 86 إلى أن قالإن هو إلا ذكر للعالمين } التكوير 27 فإن الخطاب على ما يعطيه سياق السورة لكفار قريش يقول سبحانه إنه ذكر للعالمين لا يختص ببعض دون بعض، فإذا كان للجميع فلا معنى لأن يسأل بعضهم - كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعضاً عليه أجراً. على أن تعلق الدعوة بأهل الكتاب وخاصة باليهود والنصارى من ضروريات القرآن، و كذا إسلام رجال من غير العرب كسلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي من ضروريات التاريخ. وقيل المراد بقوله { من حولها } سائر الناس من أهل قرى الأرض كلها ويؤيده التعبير عن مكة بأم القرى. والآية - كما ترى - تعرف الوحي بغايته التي هي إنذار الناس من طريق الإِلقاء الإِلهي وهو النبوة فالوحي إلقاء إلهي لغرض النبوة والإِنذار. قوله تعالى { وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير } عطف على { تنذر } السابق وهو من عطف الخاص على العام لأهميته كأنه قيل لتنذر الناس وتخوفهم من الله وخاصة من سخطه يوم الجمع. وقوله { يوم الجمع } مفعول ثان لقوله { تنذر } وليس بظرف له وهو ظاهر، ويوم الجمع هو يوم القيامة قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7