الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } * { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

بيان الآيات تتضمن الإِنذار بالعذاب الدنيوي الذي ابتليت به عاد وثمود بكفرهم بالرسل وجحدهم لآيات الله، وبالعذاب الاخروي الذي سيبتلى به أعداء الله من أهل الجحود الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وفيها إشارة إلى كيفية إضلالهم في الدنيا وإلى استنطاق أعضائهم في الآخرة. قوله تعالى { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } قال في المجمع الصاعقة المهلكة من كل شيء انتهى، وقال الراغب قال بعض أهل اللغة الصاعقة على ثلاثة أوجه الموت كقوله { صعق من في السماوات } وقوله { فأخذتهم الصاعقة } والعذاب كقوله { أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } والنار كقوله { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } وما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصاعقة فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو ثم يكون نار فقط أو عذاب أو موت وهي في ذاتها شيء واحد، وهذه الأشياء تأثيرات منها. انتهى. وعلى ما مر تنطبق الصاعقة على عذابي عاد وثمود وهما الريح والصيحة، والتعبير بالماضي في قوله { أنذرتكم } للدلالة على التحقق والوقوع. قوله تعالى { إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله } الخ ظرف لصاعقة الثانية فإن الإِنذار بالصاعقة بالحقيقة إنذار بوقوعها وحلولها فالمعنى مثل حلول صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الخ. ونسبة المجيء إلى الرسل وهو جمع - مع أن الذي ذكر في قصتهم رسولان هما هود وصالح - باعتبار أن الرسل دعوتهم واحدة والمبعوث منهم إلى قوم مبعوث لآخرين وكذا القوم المكذبون لأحدهم مكذبون لآخرين قال تعالىكذبت عاد المرسلين } الشعراء 123 وقالكذبت ثمود المرسلين } الشعراء 141، وقالكذبت قوم لوط المرسلين } الشعراء 160 إلى غير ذلك. وقول بعضهم إن إطلاق الرسل وهو جمع على هود وصالح عليهما السلام وهما اثنان من إطلاق الجمع على ما دون الثلاثة وهو شائع، ومن هذا القبيل إرجاع ضمير الجمع في قوله { إذ جاءتهم } إلى عاد وثمود. ممنوع بما تقدم، وأما إرجاع ضمير الجمع إلى عاد وثمود فإنما هو لكون مجموع الجمعين جمعاً مثلهما. وقوله { من بين أيديهم ومن خلفهم } أي من جميع الجهات فاستعمال هاتين الجهتين في جميع الجهات شائع، وجوّز أن يكون المراد به الماضي والمستقبل فقوله { جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم } كناية عن دعوتهم لهم من جميع الطرق الممكنة خلوة وجلوة وفرادى ومجتمعين بالتبشير والإِنذار ولذلك فسر مجيئهم كذلك بعد بقوله { أن لا تعبدوا إلا الله } وهو التوحيد. وقوله { قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة } رد منهم لرسالتهم بأن الله لو شاء إرسال رسول إلينا لأرسل من الملائكة، وقد تقدم كراراً معنى قولهم هذا وأنه مبني على إنكارهم نبوة البشر. وقوله { فإنا بما أُرسلتم به كافرون } تفريع على النفي المفهوم من الجملة السابقة أي فإذا لم يشأ ولم يرسل فإنا بما أرسلتم به وهو التوحيد كافرون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8