الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

بيان رجوع بعد رجوع إلى ذكر بعض آيات التوحيد وإرجاع لهم إلى الاعتبار بحال الأُمم الدارجة الهالكة وسنّة الله الجارية فيهم بإرسال رسله إليهم ثم القضاء بين رسلهم وبينهم المؤدي إلى خسران الكافرين منهم، وعند ذلك تختتم السورة. قوله تعالى { الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } ذكر سبحانه مما ينتفع به الإِنسان في حياته ويدبر أمره الأنعام والمراد بها الإِبل والبقر والغنم، وقيل المراد بها ها هنا الإِبل خاصة. فقوله { جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } الجعل هنا الخلق أو التسخير، واللام في { لتركبوا } للغرض و { من } للتبعيض، والمعنى لأجلكم أو سخّر لكم الأنعام والغرض من هذا الجعل أن تركبوا بعضها كبعض الإِبل وبعضها كبعض الإِبل والبقر والغنم تأكلون. قوله تعالى { ولكم فيها منافع } الخ كانتفاعكم بألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها وغير ذلك، وقوله { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } أي ومن الغرض من جعلها أن تبلغوا، حال كونكم عليها بالركوب، حاجة في صدوركم وهي الانتقال من مكان إلى مكان لأغراض مختلفة. وقوله { وعليها وعلى الفلك تحملون } كناية عن قطع البر والبحر بالأنعام والفلك. قوله تعالى { ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون } تقدم معنى إراءته تعالى آياته في تفسير أوائل السورة، وكأن الجملة أعني قوله { ويريكم آياته } غير مقصودة لنفسها حتى يلزم التكرار وإنما هي تمهيد وتوطئة للتوبيخ الذي في قوله { فأي آيات الله تنكرون } أي أيّ هذه الآيات التي يريكم الله إياها عياناً وبياناً، تنكرون إنكاراً يمهد لكم الإِعراض عن توحيده. قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا } إلى آخر الآية توبيخ لهم وعطف لأنظارهم إلى ما جرى من سنّة القضاء والحكم في الأُمم السالفة، وقد تقدمت نظيرة الآية في أوائل السورة وكان الغرض هناك أن يتبين لهم أن الله أخذ كلاً منهم بذنوبهم لما كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فيكفرون بهم ولذا ذيل الآية بقوله { فأخذهم الله بذنوبهم } ، والغرض ها هنا أن يتبين لهم أنهم لم يغنهم ما كسبوا ولم ينفعهم في دفع عذاب الله ما فرحوا به من العلم الذي عندهم ولا توبتهم وندامتهم مما عملوا. وقد صدرت الآية بفاء التفريع فقيل { أفلم يسيروا } الخ مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وكأن الكلام تفريع على قوله { فأي آيات الله تنكرون } فكأنه لما ذمهم وأنكر إنكارهم لآياته رجع وانصرف عنهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشيراً إلى سقوطه من منزلة الخطاب وقال إذا كانت آياته تعالى ظاهرة بينة لا تقبل الإِنكار ومن جملتها ما في آثار الماضين من الآيات الناطقة وهم قد ساروا في الأرض وشاهدوها فلمَ لم ينظروا فيها فيتبين لهم أن الماضين مع كونهم أقوى من هؤلاء كماً وكيفاً لم ينفعهم ما فرحوا به من علم وقوة.

السابقالتالي
2