الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ }

بيان لما ذكر سبحانه تكذيب الذين كفروا وجدالهم في آيات الله بالباطل ولوّح إلى أنهم غير معجزين ولا مغفول عنهم بل معنيون في هذه الدعوة والعناية فيهم أن يتميزوا فيحق عليهم كلمة العذاب فيعاقبوا عاد إلى بدء الكلام الذي أشار فيه إلى أن تنزيل الكتاب وإقامة الدعوة لمغفرة جمع وقبول توبتهم وعقاب آخرين فذكر أن الناس قبال هذه الدعوة قبيلان قبيل تستغفر لهم حملة العرش والحافون به من الملائكة وهم التائبون إلى الله المتّبعون سبيله ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقبيل ممقوتون معذبون وهم الكافرون بالتوحيد. قوله تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به } إلى آخر الآية. ولم يعرّف سبحانه هؤلاء الحاملين للعرش من هم؟ ولا في كلامه تصريح بأنهم من الملائكة لكن يشعر عطف قوله { ومن حوله } عليهم وقد قال فيهموترى الملائكة حافين من حول العرش } الزمر 75 أن حملة العرش أيضاً من الملائكة. وقد تقدم تفصيل الكلام في معنى العرش في الجزء الثامن من الكتاب. فقوله { الذين يحملون العرش ومن حوله } أي الملائكة الذين يحملون العرش الذي منه تظهر الأوامر وتصدر الأحكام الإِلهية التي بها يدبر العالم، والذين حول العرش من الملائكة وهم المقربون منهم. وقوله { يسبحون بحمد ربهم } أي ينزهون الله سبحانه والحال أن تنزيههم له يصاحب ثناءهم لربهم فهم ينزهونه تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه ومن ذلك وجود الشريك في ملكه ويثنون عليه على فعله وتدبيره. وقوله { ويؤمنون به } إيمانهم به - والحال هذه الحال عرش الملك والتدبير لله وهم حاملوه أو مطيفون حوله لتلقي الأوامر وينزهونه عن كل نقص ويحمدونه على أفعاله - معناه الإِيمان بوحدانيته في ربوبيته وأُلوهيته ففي ذكر العرش ونسبة التنزيه والتحميد والإِيمان إلى الملائكة رد للمشركين حيث يعدون الملائكة المقربين شركاء لله في ربوبيته وأُلوهيته ويتخذونهم أرباباً آلهة يعبدونهم. وقوله { ويستغفرون للذين آمنوا } أي يسألون الله سبحانه أن يغفر للذين آمنوا. وقوله { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً } الخ حكاية متن استغفارهم وقد بدأوا فيه بالثناء عليه تعالى بسعة الرحمة والعلم، وإنما ذكروا الرحمة وشفعوها بالعلم لأنه برحمته ينعم على كل محتاج فالرحمة مبدأ إفاضة كل نعمة، وبعلمه يعلم حاجة كل محتاج مستعد للرحمة. وقوله { فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } تفريع على ما أثنوا به من سعة الرحمة والعلم، والمراد بالسبيل التي اتبعوها هو ما شرع لهم من الدين وهو الإِسلام واتباعهم له هو تطبيق عملهم عليه فالمراد بتوبتهم رجوعهم إليه تعالى بالإِيمان والمعنى فاغفر للذين رجعوا إليك بالإِيمان بوحدانيتك وسلوك سبيلك الذي هو الإِسلام وقهم عذاب الجحيم وهو غاية المغفرة وغرضها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6