الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ }

بيان رجع سبحانه ثانياً إلى الإِشارة إلى آيات التوحيد توحيد الربوبية والألوهية بعد ما بدأ بها في السورة أولاً بقوله { هو الذي يريكم آياته }. قوله تعالى { الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً } الآية. أي جعل لأجلكم الليل مظلماً لتسكنوا فيه من التعب الذي عرض لكم وجه النهار من جهة السعي في طلب الرزق، والنهار مبصراً لتبتغوا من فضل ربكم وتكسبوا الرزق، وهذا من أركان تدبير الحياة الإِنسانية. وقد ظهر بذلك أن نسبة الإِبصار إلى النهار من المجاز العقلي لكن ليس من المبالغة في شيء كما ادعاه بعضهم. وقوله { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } امتنان عليهم بالفضل وتقريع لهم بعدم شكرهم له قبال هذا الفضل العظيم ولو شكروه لعبدوه ووضع { الناس } الثاني موضع الضمير للإِشارة إلى أن من طبع الناس بما هم ناس كفران النعم كما قالإن الإِنسان لظلوم كفار } إبراهيم 34. قوله تعالى { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } أي ذلكم الذي يدبر أمر حياتكم ورزقكم بسكون الليل وسعي النهار هو الله تعالى وهو ربكم لأن تدبير أمركم إليه. وقوله { خالق كل شيء } أي ورب كل شيء لأنه خالق كل شيء والخلق لا ينفك عن التدبير ولازم ذلك أن لا يكون في الوجود رب غيره لا لكم ولا لغيركم ولذلك عقبه بقوله { لا إله إلا هو } أي فإذن لا معبود بالحق غيره إذ لو كان هناك معبود آخر كان رب آخر فإن الألوهية من شؤون الربوبية. وقوله { فأنى تؤفكون } أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره. قوله تعالى { كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون } أي كمثل هذا الإِفك يؤفك الجاحدون لآيات الله فإن الآيات ظاهرة غير خفية فالانصراف عن مدلولها لا سبب له إلا الجحود. قوله تعالى { الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء } إلى آخر الآية القرار المستقر الذي يستقر عليه، والبناء - على ما قيل - القبة ومنه أبنية العرب للقباب المضروبة عليهم. يذكر تعالى نعمة استقرار الإِنسان على الأرض وتحت السماء. وقوله { وصوركم فأحسن صوركم } الفاء للتفسير والمعنى أحسن خلق صوركم وذلك أن الإِنسان جهز من دقائق التجهيز في صورته بما يقوى به من الأعمال المتنوعة العجيبة على ما لا يقوى عليه شيء من سائر الموجودات الحية، ويلتذ من مزايا الحياة بما لا يتيسر لغيره أبداً. وقوله { ورزقكم من الطيبات } هي الأرزاق المتنوعة التي تلائم بطبائعها طبيعة الإِنسان من الحبوب والفواكه واللحوم وغيرها، وليس في الحيوان متنوع في الرزق كالإِنسان. وقوله { ذلكم الله ربكم } أي المدبر لأمركم، وقوله { فتبارك الله رب العالمين } ثناء عليه عز وجل بربوبيته لجميع العالمين، وقد فرعه على ربوبيته وتدبيره للإِنسان إشارة إلى أن الربوبية واحدة وتدبيره لأمر الإِنسان عين تدبيره لأمر العالمين جميعاً فإن النظام الجاري نظام واحد روعي في انطباقه على كل، انطباقه على الكل فهو سبحانه متبارك منشىء للخير الكثير فتبارك الله رب العالمين.

السابقالتالي
2 3