الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

بيان لما قص قصة موسى وإرساله بالحق إلى فرعون وقومه، ومجادلتهم في آيات الله بالباطل ومكرهم فيها ونصره تعالى لنبيه وإبطاله كيدهم وما آل إليه أمرهم من خيبة السعي وسوء المنقلب فرّع على ذلك أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر منبهاً له أن وعد الله بالنصر حق وأن كيد قومه وجدالهم بالباطل واستكبارهم عن قبول دعوته سيبطل ويعود وبالاً على أنفسهم فليسوا بمعجزي الله وستقوم الساعة الموعودة ويدخلون جهنم داخرين. قوله تعالى { فاصبر إن وعد الله حق } إلى آخر الآية. تفريع على ما تقدم من الأمر بالاعتبار في قوله { أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } وما أورد بعده من قصة موسى ومآل أمر المستكبرين المجادلين بالباطل ونصره تعالى للحق وأهله. والمعنى إذا كان الأمر على ذلك فاصبر على إيذاء المشركين ومجادلتهم بالباطل إن وعد الله حق وسيفي لك بما وعد، والمراد بالوعد ما في قوله قبيل هذا { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا } الآية من وعد النصر. وقوله { واستغفر لذنبك } أمر له بالاستغفار لما يعد بالنسبة إليه ذنباً وإن لم يكن ذنباً بمعنى المخالفة للأمر المولوي لمكان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم كلام في معنى الذنب والمغفرة في أواخر الجزء السادس من الكتاب. وللذنب المنسوب إليه صلى الله عليه وآله وسلم معنى آخر سنشير إليه في تفسير أول سورة الفتح إن شاء الله تعالى، وقيل المراد بذنبه صلى الله عليه وآله وسلم ذنب أُمته أُعطي الشفاعة فيه. وقوله { وسبح بحمد ربك بالعشي والإِبكار } أي نزهه سبحانه مصاحباً لحمده على جميل آلائه مستمراً متوالياً بتوالي الأيام أو في كل صباح ومساء، وكونه بالعشي والإِبكار على المعنى الأول من قبيل الكناية. وقيل المراد به صلاتا الصبح والعصر، والآية مدنية. وفيه أن المسلم من الروايات ومنها أخبار المعراج أن الصلوات الخمس فرضت جميعاً بمكة قبل الهجرة فلو كان المراد به الفريضتين كان ذلك بمكة قبل فرض بقية الصلوات الخمس. قوله تعالى { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } الخ تأكيد لما تقدم في الآية السابقة من أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وتطييب نفسه بتأييد وعد النصر، ومحصله أن هؤلاء المجادلين لا ينالون بغيتهم ولن ينالوا فلا يحزنك جدالهم وطب نفساً من ناحيتهم. فقوله { إن في صدورهم إلا كبر } حصر للسبب الموجب لمجادلتهم في الكبر أي ليس عاملهم في ذلك طلب الحق أو الارتياب في آياتنا والشك فيها حتى يريدوا بها ظهور الحق ولا حجة ولا سلطان عندهم حتى يريدوا إظهارها بل الذي في صدورهم وهو الداعي لهم إلى الجدال، الكبر، يريدون به إدحاض الحق الصريح.

السابقالتالي
2 3