الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ }

بيان تتكلم السورة في استكبار الكافرين ومجادلتهم بالباطل ليدحضوا به الحق الذي يدعون إليه ولذلك نراها تذكر جدالهم وتعود إليه عودة بعد عودة { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً } { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون }. فتكسر سورة استكبارهم وجدالهم بذكر ما عاقب الله به الماضين من الأُمم المكذبين وما أعد الله لهم من العذاب المهين بذكر طرف مما يجري عليهم في الأخرة. وتدحض باطل أقاويلهم بوجوه من الحجج الناطقة بتوحده في الربوبية والأُلوهية وتأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وتعده والمؤمنين به بالنصر، وتأمرهم أن يؤذنهم أنه مسلم لربه غير تارك لعبادته فلييأسوا منه. والسورة مكية كلها لاتصال آياتها وشهادة مضامينها بذلك، وما قيل فيه من الآيات أنه نزل بالمدينة لا يعبؤ به وسيجيء الإِشارة إليها إن شاء الله. قوله تعالى { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } التنزيل مصدر بمعنى المفعول فقوله { تنزيل الكتاب } من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها والتقدير هذا كتاب منزل من الله. وتخصيص الوصفين { العزيز العليم } بالذكر قيل للإِشارة إلى ما في القرآن من الإِعجاز وأنواع العلوم التي يضيق عنها نطاق الأفهام، وقيل هو من باب التفنن. والوجه أن يُقال إن السورة لما كانت تتكلم حول جحد الجاحدين ومجادلتهم في آيات الله بالباطل جهلاً وهم يحسبونه علماً ويعتزون به كما حكى ذلك عنهم في خاتمة السورة بقوله { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم } وكما حكى عن فرعون قوله لقومه في موسى { إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } وقوله لهم { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد }. افتتح الكلام في السورة بما فيه إشارة إلى أن هذا الكتاب النازل عليهم تنزيل ممن هو عزيز على الإِطلاق لا يغلبه غالب حتى يخاف على ما نزله من استعلائهم واستكبارهم بحسب أوهامهم، عليم على الإِطلاق لا يداخل علمه جهل وضلال فلا يقاوم جدالهم بالباطل ما نزله من الحق وبينه بحججه الباهرة. ويؤيد هذا الوجه ما في الآية التالية من قوله { غافر الذنب وقابل التوب } الخ على ما سنبين. قوله تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } الإِتيان بصيغة اسم الفاعل في { غافر الذنب وقابل التوب } - لعله - للدلالة على الاستمرار التجددي فإن المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل.

السابقالتالي
2 3 4