الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

بيان قوله تعالى { لا يستوي القاعدون } إلى قوله { وأنفسهم } الضرر هو النقصان في الوجود المانع من القيام بأمر الجهاد والقتال كالعمى، والعرج، والمرض، والمراد بالجهاد بالأموال إنفاقها في سبيل الله للظفر على أعداء الدين، وبالأنفس القتال. وقوله { وكلاًّ وعد الله الحسنى } ، يدل على أن المراد بهؤلاء القاعدين، هم التاركون للخروج إلى القتال عند ما لا حاجة إلى خروجهم لخروج غيرهم على حدّ الكفاية، فالكلام مسوق لترغيب الناس وتحريضهم على القيام بأمر الجهاد والتسابق فيه والمسارعة إليه. ومن الدليل على ذلك أن الله سبحانه استثنى أُولي الضرر، ثم حكم بعدم الاستواء مع أن أُولي الضرر كالقاعدين في عدم مساواتهم المجاهدين في سبيل الله، وإن قلنا إن الله سبحانه يتدارك ضررهم بنيّاتهم الصالحة فلا شك أن الجهاد والشهادة أو الغلبة على عدوّ الله من الفضائل التي فضل بها المجاهدون في سبيل الله على غيرهم، وبالجملة ففي الكلام تحضيض للمؤمنين وتهييج لهم، وإيقاظ لروح إيمانهم لاستباق الخير والفضيلة. قوله تعالى { فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } الجملة في مقام التعليل لقوله { لا يستوي } ، ولذا لم توصل بعطف ونحوه، والدرجة هي المنزلة، والدرجات المنزلة بعد المنزلة، وقوله { وكلاًّ وعد الله الحسنى } أي وعد الله كلاً من القاعدين والمجاهدين، أو كلاً من القاعدين غير أُولي الضرر والقاعدين أُولي الضرر، والمجاهدين الحسنى، والحسنى وصف محذوف الموصوف أي العاقبة الحسنة أو المثوبة الحسنى أو ما يشابه ذلك، والجملة مسوقة لدفع الدخل، فإن القاعد من المؤمنين ربما أمكنه أن يتوهم من قوله { لا يستوي } إلى قوله { درجة } أنه صفر الكفّ لا فائدة تعود إليه من إيمانه وسائر أعماله فدفع ذلك بقوله { وكلاً وعد الله الحسنى }. قوله تعالى { وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة } هذا التفضيل بمنزلة البيان والشرح لإجمال التفضيل المذكور أولاً، ويفيد مع ذلك فائدة أُخرى، وهي الإشارة إلى أنه لا ينبغي للمؤمنين أن يقنعوا بالوعد الحسن الذي يتضمّنه قوله { وكلاً وعد الله الحسنى } فيتكاسلوا في الجهاد في سبيل الله، والواجب من السعي في إعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل، فإن فضل المجاهدين على القاعدين بما لا يستهان به من درجات المغفرة والرحمة. وأمر الآية في سياقها عجيب، أما أولاً فلأنها قيدت المجاهدين أولاً بقوله { في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } و ثانياً بقوله { بأموالهم وأنفسهم } و ثالثاً أوردته من غير تقييد. وأما ثانياً فلأنها ذكرت في التفضيل أولاً أنها درجة، وثانياً أنها درجات منه. أما الأول فلأن الكلام في الآية مسوق لبيان فضل الجهاد على القعود، والفضل إنما هو للجهاد إذا كان في سبيل الله لا في سبيل هوى النفس، وبالسماحة والجود بأعز الأشياء عند الإنسان وهو المال، وبما هو أعز منه وهو النفس، ولذلك قيل أولاً { والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم } ليتبين بذلك الأمر كل التبيّن، ويرتفع به اللبس، ثم لمّا قيل { وفضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } ، لم تكن حاجة إلى ذكر القيود من هذه الجهة لأن اللبس قد ارتفع بما تقدمه من البيان، غير أن الجملة لما قارنت قوله { وكلاًّ وعد الله الحسنى } مسّت حاجة الكلام إلى بيان سبب الفضل، وهو إنفاق المال وبذل النفس على حبهما، فلذا اكتفي بذكرهما قيداً للمجاهدين فقيل { المجاهدين بأموالهم وأنفسهم } وأما قوله ثالثاً { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً } فلم يبق فيه حاجة إلى ذكر القيود أصلاً لا جميعها ولا بعضها ولذلك تركت كلاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد