الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

بيان قوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ } الخطأ بفتحتين من غير مدّ، ومع المدّ على فعال خلاف الصواب، والمراد به هنا ما يقابل التعمّد لمقابلته بما في الآية التالية { ومن يقتل مؤمناً متعمّداً }. والمراد بالنفي في قوله { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً } ، نفي الاقتضاء، أي ليس ولا يوجد في المؤمن بعد دخوله في حريم الإيمان وحماه اقتضاء لقتل مؤمن هو مثله في ذلك أي قتل كان إلا قتل الخطأ، والاستثناء متصل فيعود معنى الكلام إلى أن المؤمن لا يريد قتل المؤمن بما هو مؤمن بأن يقصد قتله مع العلم بأنه مؤمن، ونظير هذه الجملة في سوقها لنفى الاقتضاء قوله تعالىوما كان لبشر أن يكلمه الله } الشورى 51 وقولهما كان لكم أن تنبتوا شجرها } النمل 60 وقولهفما كانوا ليؤمنوا بما كذَّبوا به من قبل } يونس 74 إلى غير ذلك. والآية مع ذلك مسوقة كناية عن التكليف بالنهي التشريعي، بمعنى أن الله تعالى لم يبح قطّ، ولا يبيح أبداً أن يقتل مؤمن مؤمناً، وحرم ذلك إلا في قتل الخطأ، فإنه لما لم يقصد هناك قتل المؤمن إما لكون القتل غير مقصود أصلاً، أو قصداً، ولكن بزعم ان المقتول كافر جائز القتل مثلاً، فلا حرمة مجعولة هناك. وقد ذكر جمع من المفسّرين ان الاستثناء في قوله { إلا خطأ } منقطع، قالوا وإنما لم يحمل قوله { إلا خطأ } على حقيقة الاستثناء لأن ذلك يؤدي إلى الأمر بقتل الخطأ أو إباحته. انتهى وقد عرفت أن ذلك لا يؤدي إلا إلى رفع الحرمة عن قتل الخطأ، أو عدم وضع الحرمة فيه، ولا محذور فيه قطعاً. فالحق أن الاستثناء متصل. قوله تعالى { ومن قتل مؤمناً خطأ } إلى قوله { يَصّدّقوا } التحرير جعل المملوك حراً، والرقبة هي العنق شاع استعمالها في النفس المملوكة مجازاً، والدية ما يعطى من المال عوضاً عن النفس أو العضو أو غيرها، والمعنى ومن قتل مؤمناً بقتل الخطأ وجب عليه تحرير نفس مملوكة مؤمنة، وإعطاء دية يسلمها إلى أهل المقتول، إلا أن يتصدق أولياء القتيل الدية على معطيها ويعفوا عنها فلا تجب الدية. قوله تعالى { فإن كان من قوم عدوّ لكم } ، الضمير يرجع إلى المؤمن المقتول، والقوم العدو هم الكفار المحاربون، والمعنى إن كان المقتول خطأ مؤمناً وأهله كفّار محاربون لا يرثون، وجب التحرير ولا دية إذ لا يرث الكافر المحارب من المؤمن شيئاً. قوله تعالى { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } ، الضمير في { كان } يعود إلى المؤمن المقتول أيضاً على ما يفيده السياق، والميثاق مطلق العهد أعم من الذمة وكل عهد، والمعنى وإن كان المؤمن المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد وجبت الدية وتحرير الرقبة، وقد قدّم ذكر الدية تأكيداً في مراعاة جانب الميثاق.

السابقالتالي
2 3 4 5