الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } * { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً }

بيان الآيات بالنسبة إلى ما تقدمها - كما ترى - بمنزلة ذي المقدمة بالنسبة إلى المقدمة وهي تحث وتستنهض المؤمنين للجهاد في سبيل الله وقد كانت المحنة شديدة على المؤمنين أيام كانت تنزل هذه الآيات وهي كأنها الربع الثاني من زمن إقامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة كانت العرب هاجت عليهم من كل جانب لإِطفاء نور الله وهدم ما ارتفع من بناية الدين يغزو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشركي مكة وطواغيت قريش ويسري السرايا إلى أقطار الجزيرة ويرفع قواعد الدين بين المؤمنين وفي داخلهم جمع المنافقين وهم ذو قوة وشوكة وقد بان يوم أُحد أن لهم عدداً لا ينقص من نصف عدة المؤمنين بكثير. وكانوا يقلبون الأمور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتربصون به الدوائر ويثبطون المؤمنين وفيهم مرضى القلوب سماعون لهم وحولهم اليهود يفتنون المؤمنين ويغزونهم وكانت عرب المدينة تحترمهم وتعظم أمرهم من قديم عهدهم فكانوا يلقون إليهم من باطل القول ومضلات الأحاديث ما يبطل به صادق إرادتهم وينتقض به مبرم جدهم ومن جانب آخر كانوا يشجعون المشركين عليهم ويطيبون نفوسهم في مقاومتهم والبقاء والثبات على كفرهم وجحودهم وتفتين من عندهم من المؤمنين. فالآيات السابقة كالمسوقة لإِبطال كيد اليهود للمسلمين وإمحاء آثار إلقاءاتهم على المؤمنين وما في هذه الآيات من حديث المنافقين هو كتتميم إرشاد المؤمنين وتكميل تعريفهم حاضر الحال ليكونوا على بصيرة من أمرهم وعلى حذر من الداء المستكن الذي دبّ في داخلهم ونفذ في جمعهم وليبطل بذلك كيد أعدائهم الخارجين المحيطين بهم ويرتد أنفاسهم إلى صدورهم وليتم نور الدين في سطوعه والله متم نوره ولو كره المشركون والكافرون. قوله تعالى { يا أيُّها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً } الحذر بالكسر فالسكون ما يحذر به وهو آلة الحذر كالسلاح وربما قيل إنه مصدر كالحذر بفتحتين والنفر هو السير إلى جهة مقصودة وأصله الفزع فالنفر من محل السير فزع عنه وإلى محل السير فزع إليه والثبات جمع ثبة وهي الجماعة على تفرقة فالثبات الجماعة بعد الجماعة بحيث تتفصل ثانية عن أولى وثالثة عن ثانية ويؤيد ذلك مقابلة قوله { فانفروا ثبات } قوله { أو انفروا جميعاً }. والتفريع في قوله { فانفروا ثبات } على قوله { خذوا حذركم } بظاهره يؤيد كون المراد بالحذر ما به الحذر على أن يكون كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد ويكون المعنى خذوا أسلحتكم أي أعدوا للخروج واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا أو اخرجوا إليهم جميعاً 0عسكراً. ومن المعلوم أن التهيؤ والإِعداد يختلف باختلاف عدة العدو وقوته فالترديد في قوله أو انفروا ليس تخييراً في كيفية الخروج وإنما الترديد بحسب تردد العدو من حيث العدة والقوة - أي إذا كان عددهم قليلاً فثبة وإن كان كثيراً فجميعاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6