الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

بيان قد تقدم في الكلام على قوله تعالىيسألونك عن الخمر والميسر } البقرة 219، أن الآيات المتعرضة لأمر الخمر خمس طوائف وأن ضم هذه الآيات بعضها إلى بعض يفيد أن هذه الآية { يا أيُّها الذين آمنوا لا تقربوا } الآية نزلت بعد قوله تعالىتتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } النحل 67، وقولهقل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإِثم } الأعراف 33، وقبل قوله تعالىيسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219، وقوله تعالىيا أيُّها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } المائدة 90، وهذه آخر الآيات نزولاً. ويمكن بوجه أن يتصور الترتيب على خلاف هذا الذي ذكرناه فتكون النازلة أولاً آية النحل ثم الأعراف ثم البقرة ثم النساء ثم المائدة فيكون ما يفيده هذا الترتيب من قصة النهي القطعي عن شرب الخمر على خلاف ما يفيده الترتيب السابق فيكون ما في سورة الأعراف نهياً من غير تفسير ثم الذي في سورة البقرة نهياً باتاً لكن المسلمين كانوا يتعللون في الاجتناب حتى نهوا عنها نهياً جازماً في حال الصلاة في سورة النساء ثم نهياً مطلقاً في جميع الحالات في سورة المائدة ولعلَّك إن تدبرت في مضامين الآيات رجحت الترتيب السابق على هذا الترتيب ولم تجوز بعد النهي الصريح الذي في آية البقرة النهي الذي في آية النساء المختص بحال الصلاة فهذه الآية قبل آية البقرة إلاَّ أن نقول إن النهي عن الصلاة في حال السكر كناية عن الصلاة كسلان كما ورد في بعض الروايات الآتية. وأما وقوع الآية بين ما تقدمها وما تأخر عنها من الآيات فهي كالمتخللة المعترضة إلاَّ أن ها هُنا احتمالاً ربما صحح هذا النحو من التخلل والاعتراض - وهو غير عزيز في القرآن - وهو جواز أن تتنزل عدة من الآيات ذات سياق واحد متصل منسجم تدريجاً في خلال أيام ثم تمس الحاجة إلى نزول آية أو آيات ولما تمّت الآيات النازلة على سياق واحد فتقع الآية بين الآيات كالمعترضة المتخللة وليست بأجنبية بحسب الحقيقة وإنما هي كالكلام بين الكلام لرفع توهم لازم الدفع أو مس حاجة إلى إيراده نظير قوله تعالىبل الإِنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره * لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه * كلاَّ بل تحبون العاجلة } القيامة 14 - 20 الآيات، انظر إلى موضع قوله { لا تحرك } إلى قوله { بيانه }. وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في بيان وجه ارتباط الآية بما قبلها وارتباط ما بعدها بها على أن القرآن إنما نزل نجوماً ولا موجب لهذا الارتباط إلاَّ في السور النازلة دفعة أو الآيات الواضحة الاتصال الكاشف ذلك عن الارتباط بينها.

السابقالتالي
2