الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

بيان الآية غير عادمة الارتباط بما قبلها فإن فيما قبلها ذكراً من المعاصي الكبيرة. قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } - إلى قوله- { سيئاتكم } ، الاجتناب أصله من الجنب وهو الجارحة بني منها الفعل على الاستعاره فإن الإِنسان إذا أراد شيئاً استقبله بوجهه ومقاديم بدنه وإذا أعرض عنه وتركه وليه بجنبه فاجتنبه فالاجتناب هو الترك قال الراغب وهو أبلغ من الترك انتهى وليس إلاَّ لأنه مبني على الاستعارة ومن هذا الباب الجانب والجنيبة والأجنبي. والتكفير من الكفر وهو الستر وقد شاع استعماله في القرآن في العفو عن السيئات والكبائر جمع كبيرة وصف وضع موضع الموصوف كالمعاصي ونحوها والكبر معنى إضافي لا يتحقق إلاَّ بالقياس إلى صغر ومن هنا كان المستفاد من قوله { كبائر ما تنهون عنه } أن هناك من المعاصي المنهي عنها ما هي صغيرة فيتبين من الآية أولاً أن المعاصي قسمان صغيرة وكبيرة. وثانياً أن السيئات في الآية هي الصغائر لما فيها من دلالة المقابلة على ذلك. نعم العصيان والتمرد كيفما كان كبير وأمر عظيم بالنظر إلى ضعف المخلوق المربوب في جنب الله عظم سلطانه غير أن القياس في هذا الاعتبار إنما هو بين الإِنسان وربه لا بين معصية ومعصية فلا منافاة بين كون كل معصية كبيرة باعتبار وبين كون بعض المعاصي صغيرة باعتبار آخر. وكبر المعصية إنما يتحقق بأهمية النهي عنها إذا قيس إلى النهي المتعلق بغيرها ولا يخلو قوله تعالى { ما تنهون عنه } من إشعار أو دلالة على ذلك والدليل على أهمية النهي تشديد الخطاب بإصرار فيه أو تهديد بعذاب من النار ونحو ذلك. قوله تعالى { وندخلكم مدخلاً كريماً } المدخل بضم الميم وفتح الخاء اسم مكان والمراد منه الجنة أو مقام القرب من الله سبحانه وإن كان مرجعهما واحداً. كلام في الكبائر والصغائر وتكفير السيئات لا ريب في دلالة قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } الآية على انقسام المعاصي إلى كبائر وصغائر سميت في الآية بالسيئات ونظيرها في الدلالة قوله تعالىووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هـٰذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها } الكهف 49 الآية إذ إشفاقهم مما في الكتاب يدل على أن المراد بالصغيرة والكبيرة صغائر الذنوب وكبائرها. وأما السيئة فهي بحسب ما تعطيه مادة اللفظ وهيئته هي الحادثة أو العمل الذي يحمل المساءة ولذلك ربما يطلق لفظها على الأمور والمصائب التي يسوء الإِنسان وقوعها كقوله تعالىوما أصابك من سيئة فمن نفسك } النساء 79 الآية، وقوله تعالىويستعجلونك بالسيئة } الرعد 6 الآية، وربما أطلق على نتائج المعاصي وآثارها الخارجية الدنيوية والأُخروية كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10