الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } * { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

بيان الأيات تتمة التهميد والتوطئة التي وضعت في أول السورة لبيان أحكام المواريث وعمدة أحكام التزويج كعدد النساء وتعيين المحارم وهذان البابان من أكبر أبواب القوانين الحاكمة في المجتمع الإنساني وأعظمها ولهما أعظم التأثير في تكون المجتمع وبقائه فإن النكاح يتعين به وضع المواليد من الإنسان الذين هم أجزاء المجتمع والعوامل التي تكونه والإرث يتعلق بتقسيم الثروة الموجودة في الدنيا التي يبتنى عليها بنية المجتمع في عيشته وبقائه. وقد تعرضت الآيات في ضمن بيانها للنهي عن الزنا والسفاح والنهي عن أكل المال بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض وعند ذلك تأسس أساسان قيمان لأمر المجتمع في أهم ما يشكله وهو أمر المواليد وأمر المال. ومن هنا يظهر وجه العناية بالتمهيد المسوق لبيان هذه الأحكام التي تعلقت بالاجتماع الإنساني ونشبت في أصوله وجذوره. وصرف الناس عما اعتادت عليه جماعتهم والتحمت عليه أفكارهم ونبتت عليه لحومهم ومات عليه أسلافهم ونشأ عليه أخلافهم عسير كل العسر. وهذا شأن ما شرع في صدر هذه السورة من الأحكام المذكورة يتضح ذلك بتأمل إجمالي في وضع العالم الإنساني يومئذ بالعموم وفي وضع العالم العربي ودارهم دار نزول القرآن وظهور الإسلام بالخصوص وفي كيفية تدرج القرآن في نزوله وظهور الأحكام الإسلامية في تشريعها. كلام في الجاهلية الأولى القرآن يسمي عهد العرب المتصل بظهور الإسلام بالجاهلية وليس إلا إشارة منه إلى أن الحاكم فيهم يومئذ الجهل دون العلم والمسيطر عليهم في كل شيء الباطل وسفر الرأي دون الحق وكذلك كانوا على ما يقصه القرآن من شؤونهم قال تعالىيظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } آل عمران 154، وقالأفحكم الجاهلية يبغون } المائدة 50، وقالإذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } الفتح 26، وقالولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } الأحزاب 33. كانت العرب يومئذٍ تجاور في جنوبها الحبشة وهي نصرانية وفي مغربها إمبراطورية الروم وهي نصرانية وفي شمالها الفرس وهم مجوس وفي غير ذلك الهند ومصر وهما وثنيتان وفي أرضهم طوائف من اليهود وهم أعني العرب مع ذلك وثنيون يعيش أغلبهم عيشة القبائل وهذا كله هو الذي أوجد لهم اجتماعاً همجياً بدوياً فيه أخلاط من رسوم اليهودية والنصرانية والمجوسية وهم سكارى جهالتهم قال تعالىوإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلاَّ الظن وإن هم إلاَّ يخرصون } الأنعام 116. وقد كانت العشائر وهم البدو على ما لهم من خساسة العيش ودناءته يعيشون بالغزوات وشن الغارات واختطاف كل ما في أيدي آخرين من متاع أو عرض فلا أمن بينهم ولا أمانة ولا سلم ولا سلامة والأمر إلى من غلب والملك لمن وضع عليه يده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد