الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

بيان قوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة } إلى قوله { منكم } يقال أتاه وأتى به أي فعله والفاحشة من الفحش وهو الشناعة فهي الطريقة الشنيعة وقد شاع استعمالها في الزنا وقد اطلقت في القرآن على اللواط أو عليه وعلى السحق معاً في قوله تعالىإنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } العنكبوت 28. والظاهر أن المراد بها ها هنا الزنا على ما ذكره جمهور المفسرين ورووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر عند نزول آية الجلد أن الجلد هو السبيل الذي جعله الله لهن إذا زنين ويشهد بذلك ظهور الآية في أن هذا الحكم سينسخ حيث يقول تعالى { أو يجعل الله لهن سبيلاً } ولم ينقل أن السحق نسخ حده بشيء آخر ولا أن هذا الحد أجري على أحد من اللاتي يأتينه وقوله { أربعة منكم } يشهد بأن العدد من الرجال. قوله تعالى { فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت } إلى آخر الآية - رتب الإمساك - وهو الحبس المخلد على الشهادة لا على أصل تحقق الفاحشة وإن علم به إذا لم يشهد عليه الشهود وهو من منن الله سبحانه على الأُمة من حيث السماحة والإِغماض. والحكم هو الحبس الدائم بقرينة الغاية المذكورة في الكلام أعني قوله { حتى يتوفاهن الموت } غير أنه لم يعبر عنه بالحبس والسجن بل بالإمساك لهن في البيوت وهذا أيضاً من واضح التسهيل والسماحة بالإغماض وقوله { حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً } أي طريقاً إلى التخلص من الإمساك الدائم والنجاة منه. وفي الترديد إشعار بأن من المرجو أن ينسخ هذا الحكم وهكذا كان فإن حكم الجلد نسخه فإن من الضروري أن الحكم الجاري على الزانيات في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعمول به بعده بين المسلمين هو الجلد دون الإِمساك في البيوت فالآية على تقدير دلالتها على حكم الزانيات منسوخة بآية الجلد والسبيل المذكور فيها هو الجلد بلا ريب. قوله تعالى { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } ، الآيتان متناسبتان مضموناً والضمير في قوله " يأتيانها " راجع إلى الفاحشة قطعاً وهذا يؤيد كون الآيتين جميعاً مسوقتين لبيان حكم الزنا وعلى ذلك فالآية الثانية متممة الحكم في الأولى فإن الأولى لم تتعرض إلا لما للنساء من الحكم والثانية تبين الحكم فيهما معاً وهو الإِيذاء فيتحصل من مجموع الآيتين حكم الزاني والزانية معاً وهو إيذاؤهما وإمساك النساء في البيوت. لكن لا يلائم ذلك قوله تعالى بعد { فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } فإنه لا يلائم الحبس المخلد فلا بد أن يقال إن المراد بالإِعراض الإِعراض عن الإِيذاء دون الحبس فهو بحاله.

السابقالتالي
2 3