الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } * { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

بيان الآيات تشرع صلاة الخوف والقصر في السفر، وتنتهي إلى ترغيب المؤمنين في تعقيب المشركين وابتغائهم، وهي مرتبطة بالآيات السابقة المتعرضة للجهاد وما لها من مختلف الشؤون. قوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الجناح الاثم والحرج والعدول، والقصر النقص من الصلاة، قال في المجمع في قصر الصلاة ثلاث لغات قصرت الصلاة أقصرها وهي لغة القرآن، وقصّرتها تقصيراً، أقصرتها اقصاراً. والمعنى إذا سافرتم فلا مانع من حرج واثم ان تنقصوا شيئاً من الصلاة، ونفي الجناح الظاهر وحده في الجواز لا ينافي وروده في السياق للوجوب، كما في قوله تعالىإن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما } النساء 157 مع كون الطواف واجباً، وذلك ان المقام مقام التشريع، ويكفي فيه مجرد الكشف عن جعل الحكم من غير حاجة إلى استيفاء جميع جهات الحكم وخصوصيّاته، ونظير الآية بوجه قوله تعالىوإن تصوموا خير لكم } البقرة 184 الآية. قوله تعالى { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ، الفتنة وإن كانت ذات معان كثيرة مختلفة لكن المعهود من اطلاقها في القرآن في خصوص الكفار والمشركين التعذيب من قتل أو ضرب ونحوهما، وقرائن الكلام أيضاً تؤيد ذلك، فالمعنى إن خفتم أن يعذبوكم بالحملة والقتل. والجملة قيد لقوله { فلا جناح عليكم } ، وتفيد ان بدء تشريع القصر في الصلاة انما كان عند خوف الفتنة، ولا ينافي ذلك أن يعم التشريع ثانياً جميع صور السفر الشرعي وإن لم يجامع الخوف فإنما الكتاب بين قسماً منه، والسنة بينت شموله لجميع الصور كما سيأتي في الروايات. قوله تعالى { وإذا كنتم فيهم } إلى قوله { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } الآية، تذكر كيفية صلاة الخوف، وتوجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفرضه اماماً في صلاة الخوف، وهذا من قبيل البيان بإيراد المثال ليكون أوضح في عين أنه اوجز وأجمل. فالمراد بقوله { أقمت لهم الصلاة } هو الصلاة جماعة، والمراد بقوله { فلتقم طائفة منهم معك } قيامهم في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو الائتمام، وهم المأمورون بأخذ الأسلحة، والمراد بقوله { فإذا سجدوا } الخ إذا سجدوا واتموا الصلاة ليكون هؤلاء بعد اتمام سجدتهم من وراء القوم، وكذا المراد بقوله { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } ان تأخذ الطائفة الثانية المصلية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذرهم واسلحتهم. والمعنى - والله اعلم - وإذا كنت انت يا رسول الله فيهم والحال حال الخوف فأقمت لهم الصلاة أي صليتهم جماعة فأممتهم فيها، فلا يدخلوا في الصلاة جميعاً، بل لتقم طائفة منهم معك بالاقتداء بك وليأخذوا معهم اسلحتهم، ومن المعلوم ان الطائفة الأخرى يحرسونهم وامتعتهم، فإذا سجد المصلون معك وفرغوا من الصلاة فليكونوا وراءكم يحرسونكم والأمتعة ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك، وليأخذ هؤلاء المصلون أيضاً كالطائفة الأولى المصلية حذرهم واسلحتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6