الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ بيان } غرض السورة كما يلوح إليه هذا الصدر بيان أحكام الزواج كعدد الزوجات ومحرمات النكاح وغير ذلك وأحكام المواريث وفيها أمور اخرى من أحكام الصلاة والجهاد والشهادات والتجارة وغيرها وتعرض لحال أهل الكتاب. ومضامين آياتها تشهد أنها مدنية نزلت بعد الهجرة وظاهرها أنها نزلت نجوماً لا دفعة واحدة وإن كانت أغلب آياتها غير فاقدة للارتباط فيما بينها. وأما هذه الآية في نفسها فهي وعدة من الآيات التالية لها المتعرضة لحال اليتامى والنساء كالتوطئة لما سيبين من أمر المواريث والمحارم وأما عدد الزوجات الواقعة في الآية الثالثة فإنه وإن كان من مهمات السورة إلا أنه ذكر في صورة التطفل بالاستفادة من الكلام المقدمي الذي وقع في الآية كما سيجيء بيانه. قوله تعالى { يا أيها الناس اتقوا ربكم } إلى قوله { ونساء } يريد دعوتهم إلى تقوى ربهم في أمر أنفسهم وهم ناس متحدون في الحقيقة الإنسانية من غير اختلاف فيها بين الرجل منهم والمرأة والصغير والكبير والعاجز والقوي حتى لا يجحف الرجل منهم بالمرأة ولا يظلم كبيرهم الصغير في مجتمعهم الذي هداهم الله اليه لتتميم سعادتهم والأحكام والقوانين المعمولة بينهم التي ألهمهم إياها لتسهيل طريق حياتهم وحفظ وجودهم وبقائهم فرادى ومجتمعين. ومن هناك تظهر نكتة توجيه الخطاب إلى الناس دون المؤمنين خاصة وكذا تعليق التقوى بربهم دون أن يقال اتقوا الله ونحوه فإن الوصف الذي ذكروا به أعني قوله { الذي خلقكم من نفس واحدة } " الخ " يعم جميع الناس من غير أن يختص بالمؤمنين وهو من أوصاف الربوبية التي تتكفل أمر التدبير والتكميل لا من شؤون الألوهية. وأما قوله تعالى { الذي خلقكم من نفس واحدة } " الخ " فالنفس على ما يستفاد من اللغة عين الشيء يقال جاءني فلان نفسه وعينه وإن كان منشأ تعين الكلمتين - النفس والعين - لهذا المعنى ما به الشيء شيء ونفس الإنسان هو ما به الإنسان إنسان وهو مجموع روح الإنسان وجسمه في هذه الحياة الدنيا والروح وحدها في الحياة البرزخية على ما تحقق - فيما تقدم من البحث - في قوله تعالىولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } البقرة 154. وظاهر السياق أن المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام ومن زوجها زوجته وهما أبوا هذا النسل الموجود الذي نحن منه وإليهما ننتهي جميعاً على ما هو ظاهر القرآن الكريم كما في قوله تعالىخلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } الزمر 6، وقوله تعالىيا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } وقوله تعالى حكاية عن إبليسلئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلاَّ قليلاً } الإسراء 62.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد