الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } * { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

بيان يظهر من خلال آيات السورة أن المشركين من قومه صلى الله عليه وآله وسلم سألوه أن ينصرف عما هو عليه من التوحيد والدعوة إليه والتعرض لآلهتهم وخوفوه بآلهتهم فنزلت السورة - وهي قرينة سورة ص بوجه - وهي تؤكد الأمر بأن يخلص دينه لله سبحانه ولا يعبأ بآلهتهم وأن يعلمهم أنه مأمور بالتوحيد وإخلاص الدين الذي تواترت الآيات من طريق الوحي والعقل جميعاً عليه. ولذلك نراه سبحانه يعطف الكلام عليه في خلال السورة مرة بعد مرة كقوله في مفتتح السورة { فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص } ثم يرجع إليه ويقول { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين } - إلى قوله - { قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه }. ثم يقول { إنك ميت وإنهم ميتون } الخ ثم يقول { أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه } ثم يقول { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل } ثم يقول { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } إلى غير ذلك من الإِشارات. ثم عمم الاحتجاج على توحده تعالى في الربوبية والالوهية من الوحي ومن طريق البرهان وقايس بين المؤمنين والمشركين مقايسات لطيفة فوصف المؤمنين بأجمل أوصافهم وبشرهم بما سيثيبهم في الآخرة مرة بعد مرة وذكر المشركين وأنذرهم بما سيلحقهم من الخسران وعذاب الآخرة مضافاً إلى ما يصيبهم في الدنيا من وبال أمرهم كما أصاب الذين كذبوا من الأُمم الدارجة من عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر. ومن ثم وصفت السورة يوم البعث وخاصة في مختتمها بأوضح الوصف وأتمه. والسورة مكية لشهادة سياق آياتها بذلك وكأنها نزلت دفعة واحدة لما بين آياتها من الاتصال. والآيات العشر المنقولة تجمع الدعوة من طريق الوحي والحجة العقلية بادئة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله تعالى { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } { تنزيل الكتاب } خبر لمبتدأ محذوف، وهو مصدر بمعنى المفعول فيكون إضافته إلى الكتاب من إضافة الصفة إلى موصوفها و { من الله } متعلق بتنزيل والمعنى هذا كتاب منزل من الله العزيز الحكيم. وقيل { تنزيل الكتاب } مبتدأ و { من الله } خبره ولعل الأول أقرب إلى الذهن. قوله تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين } عبر بالإِنزال دون التنزيل كما في الآية السابقة لأن القصد إلى بيان كونه بالحق وهو يناسب مجموع ما نزل إليه من ربه. وقوله { بالحق } الباء فيه للملابسة أي أنزلناه إليك متلبساً بالحق فما فيه من الأمر بعبادة الله وحده حق، وعلى هذا المعنى فرّع عليه قوله { فاعبد الله مخلصاً له الدين } والمعنى فإذا كان بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين لأن فيه ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد