الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

بيان القصة الثانية من قصص العباد الأوّابين التي أُمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر ويذكرها. قوله تعالى { ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب } أي وهبناه له ولداً والباقي ظاهر مما تقدم. قوله تعالى { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } العشي مقابل الغداة وهو آخر النهار بعد الزوال، والصافنات على ما في المجمع جمع الصافنة من الخيل وهي التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر. قال والجياد جمع جواد والياء ها هنا منقلبة عن واو والأصل جِواد وهي السراع من الخيل كأنها تجود بالركض. انتهى. قوله تعالى { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب } الضمير لسليمان، والمراد بالخير الخيل - على ما قيل - فإن العرب تسمي الخيل خيراً وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة " وقيل المراد بالخير المال الكثير وقد استعمل بهذا المعنى في مواضع من كلامه تعالى كقولهإن ترك خيراً } البقرة 180. وقوله { إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } قالوا إن { أحببت } مضمن معنى الإِيثار و { عن } بمعنى على، والمراد إني آثرت حب الخيل على ذكر ربي وهو الصلاة محباً إياه أو أحببت الخيل حباً مؤثراً إياه على ذكر ربي - فاشتغلت بما عرض علي من الخيل عن الصلاة حتى غربت الشمس. وقوله { حتى توارت بالحجاب } الضمير على ما قالوا للشمس والمراد بتواريها بالحجاب غروبها واستتارها تحت حجاب الأفق، ويؤيد هذا المعنى ذكر العشي في الآية السابقة إذ لولا ذلك لم يكن غرض ظاهر يترتب على ذكر العشي. فمحصل معنى الآية أني شغلني حب الخيل - حين عرض الخيل علي - عن الصلاة حتى فات وقتها بغروب الشمس، وإنما كان يحب الخيل في الله ليتهيأ به للجهاد في سبيل الله فكان الحضور للعرض عبادة منه فشغلته عبادة عن عبادة غير أنه يعد الصلاة أهم. وقيل ضمير { توارت } للخيل وذلك أنه أمر بإجراء الخيل فشغله النظر في جريها حتى غابت عن نظره وتوارت بحجاب البعد، وقد تقدم أن ذكر العشي يؤيد المعنى السابق ولا دليل على ما ذكره من حديث الأمر بالجري من لفظ الآية. قوله تعالى { ردوها عليّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } قيل الضمير في { ردوها } للشمس وهو أمر منه للملائكة برد الشمس ليصلي صلاته في وقتها، وقوله { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } أي شرع يمسح ساقيه وعنقه ويأمر أصحابه أنه يمسحوا سوقهم وأعناقهم وكان ذلك وضوءهم ثم صلى وصلوا، وقد ورد ذلك في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

السابقالتالي
2 3 4