الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

بيان لما فرغ من تفصيل آيات التوحيد المشار إليه إجمالاً في أول الكلام شرع في تفصيل خبر المعاد وذكر كيفية قيام الساعة وإحضارهم للحساب والجزاء وما يجزى به أصحاب الجنة وما يجازى به المجرمون كل ذلك تبييناً لما تقدم من إجمال خبر المعاد. قوله تعالى { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } كلام منهم وارد مورد الاستهزاء مبني على الإِنكار، ولعله لذلك جيء باسم الإِشارة الموضوعة للقريبة ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين كثيراً ما كانوا يسمعونهم حديث يوم القيامة وينذرونهم به، والوعد يستعمل في الخير والشر إذا ذكر وحده وإذا قابل الوعيد تعين الوعد للخير والوعيد للشر. قوله تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون } النظر بمعنى الانتظار، والمراد بالصيحة نفخة الصور الأولى بإعانة السياق، وتوصيف الصيحة بالوحدة للإِشارة إلى هوان أمرهم على الله جلت عظمته فلا حاجة إلى مؤنة زائدة، و { يخصمون } أصله يختصمون من الاختصام بمعنى المجادلة والمخاصمة. والآية جواب لقولهم { متى هذا الوعد } مسوقة سوق الاستهزاء بهم والاستهانة بأمرهم كما كان قولهم كذلك، والمعنى ما ينتظر هؤلاء القائلون متى هذا الوعد في سؤالهم عن وقت الوعد المنبئ عن الانتظار إلا صيحة واحدة - يسيرة علينا بلا مؤنة ولا تكلف - تأخذهم فلا يسعهم أن يفروا وينجوا منها والحال أنهم غافلون عنها يختصمون فيما بينهم. قوله تعالى { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } أي يتفرع على هذه الصيحة بما أنها تفاجئهم ولا تمهلهم أن يموتوا من فورهم فلا يستطيعوا توصية - على أن الموت يعمهم جميعاً دفعة فلا يترك منهم أحداً يوصي إليه - ولا أن يرجعوا إلى أهلهم إذا كانوا في الخارج من بيوتهم مثلاً. قوله تعالى { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } هذه هي نفخة الصور الثانية التي بها الإِحياء والبعث، والأجداث جمع جدث وهو القبر والنسل الإِسراع في المشي وفي التعبير عنه بقوله { إلى ربهم } تقريع لهم لأنهم كانوا ينكرون ربوبيته والباقي ظاهر. قوله تعالى { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } البعث الإِقامة، والمرقد محل الرقاد والمراد به القبر، وتعبيرهم عنه تعالى بالرحمن نوع استرحام وقد كانوا يقولون في الدنياوما الرحمن } الفرقان 60، وقوله { وصدق المرسلون } عطف على قوله { هذا ما وعد الرحمن } والجملة الفعلية قد تعطف على الاسمية. وقولهم يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا مبني على إنكارهم البعث وهم في الدنيا ورسوخ أثر الإِنكار والغفلة عن يوم الجزاء في نفوسهم وهم لا يزالون مستغرقين في الأهواء فإذا قاموا من قبورهم مسرعين إلى المحشر فاجأهم الورود في عالم لا يستقبلهم فيه إلا توقع الشر فأخذهم الفزع الأكبر والدهشة التي لا تقوم لها الجبال ولذا يتبادرون أولاً إلى دعوة الويل والهلاك كما كان ذلك دأبهم في الدنيا عند الوقوع في المخاطر ثم سألوا عمن بعثهم من مرقدهم لأن الذي أحاط بهم من الدهشة أذهلهم من كل شيء.

السابقالتالي
2 3 4 5