الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } * { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

بيان بعد ما قص عليهم قصة أصحاب القرية وما آل إليه أمرهم في الشرك وتكذيب الرسل ووبخهم على الاستهانة بأمر الرسالة، وأنذرهم بنزول العذاب عليهم كما نزل على المكذبين من القرون الأولى، وبأنهم جميعاً محضرون للحساب والجزاء. أورد آيات من الخلق والتدبير تدل على ربوبيته وأُلوهيته تعالى وحده لا شريك له ثم وبخهم على ترك النظر في آيات الوحدانية والمعاد والإِعراض عنها والاستهزاء بالحق والإِمساك عن الإِنفاق للفقراء والمساكين. قوله تعالى { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون } يذكر سبحانه في الآية واللتين بعدها آية من آيات الربوبية وهي تدبير أمر أرزاق الناس وتغذيتهم من أثمار النبات من الحبوب والتمر والعنب وغيرها. فقوله { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } وإن كان ظاهره أن الآية هي الأرض إلا أن الجملتين توطئتان لقوله { وأخرجنا منها حباً } الخ ومسوقتان للإِشارة إلى أن هذه الأغذية النباتية من آثار نفخ الحياة في الأرض الميتة وتبديلها حباً وثمراً يأكلون من ذلك فالآية بنظر هي الأرض الميتة من حيث ظهور هذه الخواص فيها وتمام تدبير أرزاق الناس بها. وقوله { وأخرجنا منها حباً } أي وأخرجنا من الأرض بإنبات النبات حباً كالحنطة والشعير والأرز وسائر البقولات. وقوله { فمنه يأكلون } تفريع على إخراج الحب وبالأكل يتم التدبير، وضمير { فمنه } للحب. قوله تعالى { وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون } قال الراغب الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض انتهى. والنخيل جمع نخل وهو معروف، والأعناب جمع عنب يطلق على الشجرة وهي الكرم وعلى الثمرة. وقال الراغب العين الجارحة - إلى أن قال - ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة - إلى أن قال - ويقال لمنبع الماء عين تشبيهاً بها لما فيها من الماء انتهى، والتفجير في الأرض شقها لإِخراج المياه، والباقي ظاهر. قوله تعالى { ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون } اللام لتعليل ما ذكر في الآية السابقة أي جعلنا فيها جنات وفجرنا فيها العيون بشقها ليأكل الناس من ثمره. وقوله { من ثمره } قيل الضمير للمجعول من الجنات ولذا أُفرد وذكر ولم يقل من ثمرها أي من ثمر الجنات، أو من ثمرهما أي من ثمر النخيل والأعناب. وقيل الضمير للمذكور وقد يجري الضمير مجرى اسم الإِشارة كما في قول رؤبة
فيها خطوط من سواد وبلق كأنـه في الجلد توليع البهق   
فقد روي أن أبا عبيدة سأله عن قوله { كأنه } فقال كأن ذاك. وفي مرجع ضمير { من ثمره } أقوال أُخر رديئة كقول بعضهم إن الضمير للنخيل فقط، وقول آخر إنه للماء لدلالة العيون عليه أو بحذف مضاف والتقدير ماء العيون وقول آخر إن الضمير للتفجير المفهوم من { فجرنا } والمراد بالثمر على هذين الوجهين الفائدة، وقول آخر إن الضمير له تعالى وإضافته إليه لأنه خلقه وملكه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9