الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } * { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }

بيان احتجاج على توحيد الربوبية كقوله { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } الآية، وقوله { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } الآية، وعلى نفي ربوبية شركائهم { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله } الآية وتوبيخ وتهديد لهم على نقضهم ما أبرموه باليمين ومكرهم السيء. ثم تسجيل أن الله لا يعجزه شيء وإنما يمهل من أمهله من هؤلاء الظالمين إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم جازاهم ما يستحقونه وبذلك تختتم السورة. قوله تعالى { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } الخ. الخلائف جمع خليفة، وكون الناس خلائف في الأرض هو قيام كل لاحق منهم مقام سابقه وسلطته على التصرف والانتفاع منها كما كان السابق مسلطاً عليه، وهم إنما نالوا هذه الخلافة من جهة نوع الخلقة وهو الخلقة من طريق النسل والولادة فإن هذا النوع من الخلقة يقسم المخلوق إلى سلف وخلف. فجعل الخلافة الأرضية نوع من التدبير مشوب بالخلق غير منفك عنه ولذلك استدل به على توحده تعالى في ربوبيته لأنه مختص به تعالى لا مجال لدعواه لغيره. فقوله { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } حجة على توحده تعالى في ربوبيته وانتفائها عن شركائهم تقريره أن الذي جعل الخلافة الأرضية في العالم الإِنساني هو ربهم المدبر لأمرهم، وجعل الخلافة لا ينفك عن نوع الخلقة فخالق الإِنسان هو رب الإِنسان لكن الخالق هو الله سبحانه حتى عند الخصم فالله هو رب الإِنسان. وقوله { فمن كفر فعليه كفره } أي فالله سبحانه هو رب الإِنسان فمن كفر وستر هذه الحقيقة ونسب الربوبية إلى غيره تعالى فعلى ضرره كفره. وقوله { ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خساراً } بيان لكون كفرهم عليهم وهو أن كفرهم يورث لهم مقتا عند ربهم والمقت شدة البغض لأن فيه إعراضاً عن عبوديته واستهانة بساحته، ويورث لهم خساراً في أنفسهم لأنهم بدلوا السعادة الإِنسانية شقاء ووبالاً سيصيبهم في مسيرهم ومنقلبهم إلى دار الجزاء. وإنما عبر عن أثر الكفر بالزيادة لأن الفطرة الإِنسانية بسيطة ساذجة واقعة في معرض الاستكمال والازدياد فإن أسلم الإِنسان زاده ذلك كمالاً وقرباً من الله وإن كفر زاده ذلك مقتاً عند الله وخساراً. وإنما قيد المقت بقوله { عند ربهم } دون الخسار لأن الخسار من تبعات تبديل الإِيمان كفراً والسعادة شقاء وهو أمر عند أنفسهم وأما المقت وشدة البغض فمن عند الله سبحانه. والحب والبغض المنسوبان إلى الله سبحانه من صفات الأفعال وهي معان خارجة عن الذات غير قائمة بها، ومعنى حبه تعالى لأحد انبساط رحمته عليه وانجذابها إليه وبغضه تعالى لأحد انقباض رحمته منه وابتعادها عنه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6