الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } * { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

بيان تتكلم السورة حول الأُصول الثلاثة أعني الوحدانية والنبوة والبعث فتذكرها وتذكر ما لمنكريها من الاعتراض فيها والشبه التي أُلقوها ثم تدفعها بوجوه الدفع من حكمة وموعظة ومجادلة حسنة وتهتم ببيان أمر البعث أكثر من غيره فتذكره في مفتتح الكلام ثم تعود إليه عودة بعد عودة إلى مختتمه. وهي مكية بشهادة مقاصد آياتها على ذلك. قوله تعالى { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } الخ، المطلوب بيان البعث والجزاء بياناً لا يعتريه شك بالإِشارة إلى الحجة التي ينقطع بها الخصم والأساس الذي يقوم عليه ذلك أمران أحدهما عموم ملكه تعالى لكل شيء من كل جهة حتى يصح له أي تصرف أراد فيها من إبداء ورزق وإماتة وإحياء بالإِعادة وجزاء، وثانيهما كمال علمه تعالى بالأشياء من جميع جهاتها علماً لا يطرأ عليه عزوب وزوال حتى يعيد كل من أراد ويجزيه على ما علم من أعماله خيراً أو شراً. وقد أُشير إلى أول الأمرين في الآية الأُولى التي نحن فيها وإلى الثانية في الآية الثانية وبذلك يظهر أن الآيتين تمهيد لما في الآية الثالثة والرابعة. فقوله { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } ثناء عليه على ملكه المنبسط على كل شيء بحيث له أن يتصرف في كل شيء بما شاء وأراد. وقوله { وله الحمد في الآخرة } تخصيص الحمد بالآخرة لما أن الجملة الأُولى تتضمن الحمد في الدنيا فإن النظام المشهود في السماوات والأرض نظام دنيوي كما يشهد به قوله تعالىيوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } إبراهيم 48. وقوله { وهو الحكيم الخبير } ختم الآية بالاسمين الكريمين للدلالة على أن تصرفه في نظام الدنيا ثم تعقيبه بنظام الآخرة مبني على الحكمة والخبرة فبحكمته عقّب الدنيا بالآخرة وإلاَّ لغت الخلقة وبطلت ولم يتميز المحسن من المسيئ كما قالوما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً } ص 27 إلى أن قالأم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } ص 28، وبخبرته يحشرهم ولا يغادر منهم أحداً ويجزي كل نفس بما كسبت. والخبير من أسماء الله الحسنى مأخوذة من الخبرة وهي العلم بالجزئيات فهو أخصّ من العليم. قوله تعالى { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } الولوج مقابل الخروج والعروج مقابل النزول وكأن العلم بالولوج والخروج والنزول والعروج كناية عن علمه بحركة كل متحرك وفعله واختتام الآية بقوله { وهو الرحيم الغفور } كأن فيه إشارة إلى أن له رحمة ثابتة ومغفرة ستصيب قوماً بإيمانهم. قوله تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب } الخ، يذكر إنكارهم لإِتيان الساعة وهي يوم القيامة وهم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه وعلمه بكل شيء ولا مورد للارتياب في إتيانها مع ذلك كما تقدم فضلاً عن إنكار إتيانها ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عن قولهم بقوله { قل بلى وربي لتأتينكم } أي الساعة.

السابقالتالي
2 3