الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ }

بيان آيات مقررة للتوحيد واحتجاجات حوله. قوله تعالى { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة } إلى آخر الآية، أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتج على إبطال أُلوهية آلهتهم بعدم قدرتهم على استجابة الدعاء، فقوله { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله } أي ادعوا الذين زعمتموهم آلهة من دون الله - فمفعولا { زعمتم } محذوفان لدلالة السياق عليهما - ودعاؤهم هو مسألتهم شيئاً من الحوائج. وقوله { لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } واقع موقع الجواب كأنه قيل فماذا يكون إذا دعوهم؟ فقيل لا يستجيبون لهم بشيء لأنهم { لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } ولو ملكوا لاستجابوا، ولا تتم الربوبية والألوهية إلا بأن يملك الرب والإِله شيئاً مما يحتاج إليه الإِنسان فيملّكه له وينعم عليه به فيستحق بإزاءه العبادة شكراً له فيعبد، أما إذا لم يملك شيئاً فلا يكون رباً ولا إلهاً. وقوله { وما لهم فيهما من شرك } كان الملك المنفي في الجملة السابقة { لا يملكون } الخ، الملك المطلق المنبسط على الجميع والمنفي في هذه الجملة الملك المحدود المتبعض الذي ينبسط على البعض دون الكل إما مشاعاً أو مفروزاً، لكن المشركين ما كانوا يقولون بالملك المشترك بينهم وبين الله سبحانه مشاعاً بل كانوا يقولون بملك كل من آلهتهم لنوع من الخلقة أو بعض منها، وأما الله سبحانه فهو رب الأرباب وإله الآلهة. وعلى هذا كان من الواجب أن يستجيب آلهتهم إذا دعوا فيما يملكونه من الخلقة وعدم استجابتهم كاشف عن عدم ربوبيتهم وأُلوهيتهم. وقوله { وما له منهم من ظهير } أي ليس لله سبحانه منهم كلا أو بعضاً من معين يعينه فيما يفرض فيه عجزه عن القيام بأمر تدبيره إذ لو كان له منهم ظهير يظهره على التدبير كان مالكاً فيستجيب إذا دعي فيما هو ظهير بالنسبة إليه وإذ ليس فليس. فتبين مما تقدم أن احتجاج الآية على نفي الملك بانتفاء استجابتهم دعاء الداعي يجري في جميع الصور الثلاث وهي ملكهم لما في السماوات وما في الأرض مطلقاً وملكهم على وجه الشركة مع الله سبحانه وكونهم أو بعضهم ظهيراً لله سبحانه. قوله تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } المشركون كانوا يقولون بشفاعة آلهتهم كما حكاه الله سبحانه عنهم بقولههؤلاء شفعاؤنا عند الله } يونس 18، وليس مرادهم بالشفاعة شفاعة يوم القيامة التي يثبتها القرآن الكريم فإنهم ما كانوا يقولون بالمعاد بل الشفاعة في الدنيا لعبادهم عند الله سبحانه ليسعدهم بقضاء حوائجهم وإصلاح شؤونهم بتوسط آلهتهم. وإذ كانت الآلهة مخلوقين لله مملوكين له من كل وجه فلا يملكون الشفاعة من عند أنفسهم مستقلين بها إلا أن يملّكهم الله سبحانه ذلك وهو الإِذن لهم في أن يشفعوا فأصل شفاعتهم لو شفعوا بإذن الله سبحانه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8