الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } * { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } * { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }

بيان تشير الآيات إلى نبذة من قصص داود وسليمان إذ آتاهما الله من فضله إذ أنعم على داود بتسخير الجبال والطير معه وتليين الحديد له، وسخَّر لسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وسخَّر الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وغيرها وأمرهما بالعمل الصالح شكراً وكانا عبدين شكورين. ثم إلى قصة سبأ حيث أنعم عليهم بجنتان عن اليمين والشمال ليعيشوا فيها عيشاً رغداً فكفروا بالنعمة وأعرضوا عن الشكر فأرسل عليهم سيل العرم وبدَّل جنتيهم جنتين دون ذلك وقد كان عمّر بلادهم فكفروا فجعلهم أحاديث ومزَّقهم كل ممزق، كل ذلك لكفرهم النعمة وإعراضهم عن الشكر ولا يجازي إلا الكفور. وجه اتصال القصص على ما تقدم من حديث البعث أن الله هو المدبّر لامور عباده وهم مغمورون في أنواع نعمه وللمنعم على المنعم عليه الشكر على نعمته وعليه أن يميز بين الشاكر لنعمته والكافر بها وإذ لا ميز في هذه النشأة فهناك نشأة أُخرى يتميز فيها الفريقان فالبعث لا مفر عنه. قوله تعالى { ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أُوّبي معه والطير وألنّا له الحديد } الفضل العطية والتأويب الترجيع من الأوب بمعنى الرجوع والمراد به ترجيع الصوت بالتسبيح بدليل قوله فيه في موضع آخرإنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإِشراق والطير محشورة كل له أواب } ص 18ـ19. والطير معطوف على محل الجبال ومنه يظهر فساد قول بعضهم أن الأوب بمعنى السير وأن الجبال كانت تسير معه حيثما سار. وقوله { يا جبال أوبي معه والطير } بيان للفضل الذي أُوتي داود وقد وضع فيه الخطاب الذي خوطبت به الجبال والطير فسخرتا به موضع نفس التسخير الذي هو العطية وهو من قبيل وضع السبب موضع المسبّب والمعنى سخّرنا الجبال له تؤوب معه والطير، وهذا هو المتحصل من تسخير الجبال والطير له كما يشير إليه قولهإنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإِشراق والطير محشورة كل له أواب } ص 18ـ19. وقوله { وألنّا له الحديد } أي وجعلناه ليناً له على ما به من الصلابة. قوله تعالى { أن اعمل سابغات وقدر في السرد } الخ، السابغات جمع سابغة وهي الدرع الواسعة، والسرد نسج الدرع، وتقديره الاقتصاد فيه بحيث تتناسب حلقه أي اعمل دروعاً واسعة واجعلها متناسبة الحلق، وجملة { أن اعمل } الخ، نوع تفسير لإِلانة الحديد له. وقوله { واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصير } معنى الجملة في نفسها ظاهر وهي لوقوعها في سياق بيان إيتاء الفضل وعدّ النعم تفيد معنى الأمر بالشكر كأنه قيل وقلنا اشكر النعم أنت وقومك بالعمل الصالح. قوله تعالى { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر } الخ، أي وسخرنا لسليمان الريح مسير غدو تلك الريح - وهو أول النهار إلى الظهر - مسير شهر ورواح تلك الريح - وهو من الظهر إلى آخر النهار - مسير شهر أي إنها تسير في يوم مسير شهرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6