الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } * { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

بيان قصه غزوة الخندق وما عقبها من أمر بني قريظة ووجه اتصالها بما قبلها ما فيها من ذكر حفظ العهد ونقضه. قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } الخ، تذكير للمؤمنين بما أنعم عليهم أيام الخندق بنصرهم وصرف جنود المشركين عنهم وقد كانوا جنوداً مجندة من شعوب وقبائل شتى كغطفان وقريش والأحابيش وكنانة ويهود بنى قريظة والنضير أحاطوا بهم من فوقهم ومن أسفل منهم فسلّط الله عليهم الريح وأنزل ملائكة يخذلونهم. وهو قوله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ } ظرف للنعمة أو لثبوتها { جاءتكم جنود } من طوائف كل واحدة منهم جند كغطفان وقريش وغيرهما { فأرسلنا } بيان للنعمة وهو الإِرسال المتفرع على مجيئهم { عليهم ريحاً } وهي الصبا وكانت باردة في ليال شاتية { وجنوداً لم تروها } وهي الملائكة لخذلان المشركين { وكان الله بما تعملون بصيراً }. قوله تعالى { إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم } الخ الجاؤن من فوقهم وهو الجانب الشرقي للمدينة غطفان ويهود بني قريظة وبني النضير والجاؤن من أسفل منهم وهو الجانب الغربي لها قريش ومن انضم إليهم من الأحابيش وكنانة فقوله { إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم } عطف بيان لقوله { إذ جاءتكم جنود }. وقوله { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } ، عطف بيان آخر لقوله { إذ جاءتكم } الخ، وزيغ الأبصار ميلها والقلوب هي الأنفس والحناجر جمع حنجر وهو جوف الحلقوم. والوصفان أعني زيغ الأبصار وبلوغ القلوب الحناجر كنايتان عن كمال غشيان الخوف لهم حتى حوّلهم إلى حال المحتضر الذي يزيغ بصره وتبلغ روحه الحلقوم. وقوله { وتظنون بالله الظنونا } أي يظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض الظنون فبعضهم يقول إن الكفار سيغلبون ويستولون على المدينة، وبعضهم يقول إن الإِسلام سينمحق والدين سيضيع، وبعضهم يقول إن الجاهلية ستعود كما كانت، وبعضهم يقول إن الله غرَّهم ورسوله إلى غير ذلك من الظنون. قوله تعالى { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً } هنالك إشارة بعيدة إلى زمان أو مكان والمراد الإِشارة إلى زمان مجيء الجنود وكان شديداً عليهم لغاية بعيدة، والابتلاء الامتحان، والزلزلة والزلزال الاضطراب، والشدة القوة وتختلفان في أن الغالب على الشدة أن تكون محسوساً بخلاف القوة، قيل ولذلك يطلق القوي عليه تعالى دون الشديد. والمعنى في ذلك الزمان الشديد امتحن المؤمنون واضطربوا خوفاً اضطراباً شديداً. قوله تعالى { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } الذين في قلوبهم مرض هم ضعفاء الإِيمان من المؤمنين وهم غير المنافقين الذين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر، وإنما سمي المنافقون الرسول لمكان إظهارهم الإِسلام. والغرور حمل الإِنسان على الشر بإراءته في صورة الخير والاغترار احتماله له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد