الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } * { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

بيان الآيات تفرِّق بين المؤمنين بحقيقة معنى الإِيمان وبين الفاسقين والظالمين وتذكر لكل ما يلزمه من الآثار والتبعات ثم تنذر الظالمين بعذاب الدنيا وتأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بانتظار الفتح وعند ذلك تختتم السورة. قوله تعالى { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكِّروا بها خرّوا سجَّداً وسبَّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } لما ذكر شطراً من الكلام في الكفار الذين يجحدون لقاءه ويستكبرون في الدنيا عن الإِيمان والعمل الصالح أخذ في صفة الذين يؤمنون بآيات ربهم ويخضعون للحق لما ذكّروا ووعظوا. فقوله { إنما يؤمن بآياتنا } حصر للإِيمان بحقيقة معناه فيهم ومعناه أن علامة التهيُّؤ للإِيمان الحقيقي هو كذا وكذا. وقوله { الذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّداً } ذكر سبحانه شيئاً من أوصافهم وشيئاً من أعمالهم، أما ما هو من أوصافهم فتذللهم لمقام الربوبية وعدم استكبارهم عن الخضوع لله وتسبيحه وحمده وهو قوله { إذا ذكروا بآيات ربهم } أي الدالة على وحدانيته في ربوبيته وأُلوهيته وما يلزمها من المعاد والدعوة النبوية إلى الإِيمان والعمل الصالح { خرّوا سجّداً } أي سقطوا على الأرض ساجدين لله تذللاً واستكانة { وسبَّحوا بحمد ربهم } أي نزَّهوه مقارناً للثناء الجميل عليه. والسجدة والتسبيح والتحميد وإن كانت من الأفعال لكنها مظاهر لصفة التذلل والخضوع لمقام الربوبية والألوهية، ولذا أردفها بصفة تلازمها فقال { وهم لا يستكبرون }. قوله تعالى { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } هذا معرّفهم من حيث أعمالهم كما أن ما في الآية السابقة كان معرّفهم من حيث أوصافهم. فقوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } التجافي التنحّي والجنوب جمع جنب وهو الشق، والمضاجع جمع مضجع وهو الفراش وموضع النوم، والتجافي عن المضاجع كناية عن ترك النوم. وقوله { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } حال من ضمير جنوبهم والمراد اشتغالهم بدعاء ربهم في جوف الليل حين تنام العيون وتسكن الأنفاس لا خوفاً من سخطه تعالى فقط حتى يغشيهم اليأس من رحمة الله ولا طمعاً في ثوابه فقط حتى يأمنوا غضبه ومكره بل يدعونه خوفاً وطمعاً فيؤثرون في دعائهم أدب العبودية على ما يبعثهم إليه الهدى وهذا التجافي والدعاء ينطبق على النوافل الليلية. وقوله { ومما رزقناهم ينفقون } عمل آخر لهم وهو الإِنفاق لله وفي سبيله. قوله تعالى { فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } تفريع لما لهم من الأوصاف والأعمال يصف ما أعدَّ الله لهم من الثواب. ووقوع نفس وهي نكرة في سياق النفي يفيد العموم، وإضافة قرّة إلى أعين لا أعينهم تفيد أن فيما أخفي لهم قرّة عين كل ذي عين. والمعنى فلا تعلم نفس من النفوس - أي هو فوق علمهم وتصوّرهم - ما أخفاه الله لهم مما تقرّ به عين كل ذي عين جزاء في قبال ما كانوا يعملون في الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7