الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } * { خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } * { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

بيان غرض السورة كما تومىء إليه فاتحتها وخاتمتها ويشير إليه سياق عامة آياتها الدعوة إلى التوحيد والإِيقان بالمعاد والأخذ بكليات شرائع الدين. ويلوح من صدر السورة أنها نزلت في بعض المشركين حيث كان يصدّ الناس عن استماع القرآن بنشر بعض أحاديث مزوّقة ملهية كما ورد فيه الأثر في سبب نزول قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلَّ عن سبيل الله } الآية، وسيوافي حديثه. فنزلت السورة تبيِّن أُصول عقائد الدين وكليات شرائعه الحقة وقصّت شيئاً من خبر لقمان الحكيم ومواعظه تجاه أحاديثهم الملهية. والسورة مكية بشهادة سياق آياتها، ومن غرر الآيات فيها قوله تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل } الآية. قوله تعالى { تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين } إلى قوله { المفلحون } تقدم تفسير مفردات هذه الآيات في السور السابقة. وقد وصف الكتاب بالحكيم إشعاراً بأنه ليس من لهو الحديث من شيء بل كتاب لا انثلام فيه ليداخله لهو الحديث وباطل القول، ووصفه أيضاً بأنه هدى ورحمة للمحسنين تتميماً لصفة حكمته فهو يهدي إلى الواقع الحق ويوصل إليه لا كاللهو الشاغل للإِنسان عما يهمه، وهو رحمة لا نقمة صارفة عن النعمة. ووصف المحسنين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللتين هما العمدتان في الأعمال وبالإِيقان بالآخرة ويستلزم التوحيد والرسالة وعامة التقوى، كل ذلك مقابلة الكتاب للهو الحديث المصغي إليه لمن يستمع لهو الحديث. قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلَّ عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً } الخ، اللهو ما يشغلك عما يهمّك، ولهو الحديث الحديث الذي يلهي عن الحق بنفسه كالحكايات الخرافية والقصص الداعية إلى الفساد والفجور، أو بما يقارنه كالتغني بالشعر أو بالملاهي والمزامير والمعازف فكل ذلك يشمله لهو الحديث. وقوله { ليضلَّ عن سبيل الله بغير علم } مقتضى السياق أن يكون المراد بسبيل الله القرآن بما فيه من المعارف الحقة الاعتقادية والعملية وخاصة قصص الأنبياء وأُممهم الخالية فإن لهو الحديث والأساطير المزوّقة المختلقة تعارض أولاً هذه القصص ثم تهدم بنيان سائر المعارف الحقة وتوهنها في أنظار الناس. ويؤيد ذلك قوله بعد { ويتخذها هزواً } فإن لهو الحديث بما أنه حديث كما سمعت يعارض أولاً الحديث ويتخذه سخرياً. فالمراد بسبيل الله القرآن بما فيه من القصص والمعارف وكأن مراد من كان يشتري لهو الحديث أن يضلّ الناس بصرفهم عن القرآن وأن يتخذ القرآن هزواً بأنه حديث مثله وأساطير كأساطيره. وقوله { بغير علم } متعلق بيضلّ وهو في الحقيقة وصف ضلال الضالين دون إضلال المضلين وإن كانوا أيضاً لا علم لهم ثم هددهم بقوله { أُولئك لهم عذاب مهين } أي مذل يوهنهم ويذلهم حذاء استكبارهم في الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4