الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } * { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } * { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ }

بيان هذا هو الفصل الثاني من الفصول الأربعة التي يحتج فيها بالأفعال الخاصة به وإن شئت فقل بأسماء الأفعال على إبطال الشركاء ونفي ربوبيتهم وأُلوهيتهم وعلى إثبات المعاد. قوله تعالى { الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء } الخ، اسم الجلالة مبتدأ و { الذي خلقكم } خبره، وكذا قوله { من يفعل } الخ مبتدأ خبره { من شركائكم } المقدم عليه والاستفهام إنكاري وقد ذكر في تركيب الآية احتمالات أُخر. والمعنى أن الله سبحانه هو الذي اتصف بكذا وكذا وصفاً من أوصاف الألوهية والربوبية فهل من الآلهة الذين تدعون أنهم آلهة من يفعل شيئاً من ذلكم يعني من الخلق والرزق والإِماتة والإِحياء وإذ ليس منهم من يفعل شيئاً من ذلكم فالله سبحانه هو إلهكم وربكم لا إله إلا هو. ولعل الوجه في ذكر الخلق مع الرزق والإِحياء والإِماتة مع تكرر تقدم ذكره في سلك الاحتجاجات السابقة الإِشارة إلى أن الرزق لا ينفك عن الخلق بمعنى أن بعض الخلق يسمى بالقياس إلى بعض آخر يديم بقاءه به رزقاً فالرزق في الحقيقة من الخلق فالذي يخلق الخلق هو الذي يرزق الرزق. فليس لهم أن يقولوا إن الرازق وكذا المحيي والميت بعض آلهتنا كما ربما يدعيه بعضهم أن مدبر عالم الإِنسان بعض الآلهة ومدبر كل شأن من شؤون العالم من الخيرات والشرور بعضهم لكنهم لا يختلفون أن الخلق والإِيجاد منه تعالى لا يشاركه في ذلك أحد فإذا سلّم ذلك ومن المسلم أن الرزق مثلاً خلق وكذا سائر الشؤون لا تنفك عن الخلق رجع الأمر كالخلق إليه تعالى ولم يبق لآلهتهم شأن من الشؤون. ثم نزَّه سبحانه نفسه عن شركهم فقال { سبحانه وتعالى عما يشركون }. قوله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } الآية بظاهر لفظها عامة لا تختص بزمان دون زمان أو بمكان أو بواقعة خاصة، فالمراد بالبرّ والبحر معناهما المعروف ويستوعبان سطح الكرة الأرضية. والمراد بالفساد الظاهر المصائب والبلايا الظاهرة فيهما الشاملة لمنطقة من مناطق الأرض من الزلازل وقطع الأمطار والسنين والأمراض السارية والحروب والغارات وارتفاع الأمن وبالجملة كل ما يفسد النظام الصالح الجاري في العالم الأرضي سواء كان مستنداً إلى اختيار بعض الناس أو غير مستند إليه، فكل ذلك فساد ظاهر في البر أو البحر مخل بطيب العيش الإِنساني. وقوله { بما كسبت أيدي الناس } أي بسبب أعمالهم التي يعملونها من شرك أو معصية وقد تقدم في تفسير قوله تعالىولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }

السابقالتالي
2 3 4 5