الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

بيان الآيات ممكنة الارتباط بما تقدمها من الكلام على أهل الكتاب وإن كان يمكن أن تستقل بنفسها وتنفصل عمّا تقدمها وهو ظاهر. قوله تعالى { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } ، الاستفهام يفيد الاستبعاد والإِنكار والمراد به استحالة الهداية وقد ختم الآية بقوله { والله لا يهدي القوم الظالمين } وقد مرّ في نظير هذه الجملة أن الوصف مشعر بالعلية أي لا يهديهم مع وجود هذا الوصف فيهم وذلك لا ينافي هدايته لهم على تقدير رجوعهم وتوبتهم منه. وأما قوله { وشهدوا أن الرسول حق } ، فإن كان المراد بهم أهل الكتاب فشهادتهم هو مشاهدتهم أن آيات النبوة التي عندهم منطبقة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يفيده قوله { وجاءهم البينات } وإن كان المراد بهم أهل الردة من المسلمين فشهادتهم هي إقرارهم بالرسالة لا إقراراً صورياً مبنياً على الجهالة والحمية ونحوهما بل إقراراً مستنداً إلى ظهور الأمر كما يفيده قوله { وجاءهم البينات }. وكيف كان الأمر فانضمام قوله { وشهدوا } " الخ " إلى أول الكلام يفيد أن المراد بالكفر هو الكفر بعد ظهور الحق وتمام الحجة فيكون كفراً عن عناد مع الحق ولجاج مع أهله وهو البغي بغير الحق والظلم الذي لا يهتدي صاحبه إلى النجاة والفلاح. وقد قيل في قوله { وشهدوا } " الخ " إنه معطوف على قوله { إيمانهم } لما فيه من معنى الفعل والتقدير كفروا بعد أن آمنوا وشهدوا " الخ " أو أن الواو للحال والجملة حالية بتقدير " قد ". قوله تعالى { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله } إلى قوله { ولا هم ينظرون } ، قد مرّ الكلام في معنى عود جميع اللعنة عليهم في تفسير قوله تعالىأولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } البقرة 159. قوله تعالى { إلاَّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } " الخ " أي دخلوا في الصلاح والمراد به كون توبتهم نصوحاً تغسل عنهم درن الكفر وتطهر باطنهم بالإِيمان وأما الإِتيان بالأعمال الصالحة فهو وإن كان مما يتفرع على ذلك ويلزمه غير أنه ليس بمقوم لهذه التوبة ولا ركناً منها ولا في الآية دلالة عليه. وفي قوله { فإن الله غفور رحيم } ، وضع العلة موضع المعلول والتقدير فيغفر الله له ويرحمه فإن الله غفور رحيم. قوله تعالى { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً } إلى آخر الآيتين تعليل لما يشتمل عليه قوله أولاً { كيف يهدي الله قوماً كفروا } " الخ " وهو من قبيل التعليل بتطبيق الكلي العام على الفرد الخاص والمعنى أن الذي يكفر بعد ظهور الحق وتمام الحجة عليه ولا يتوب بعده توبة مصلحة إنما هو أحد رجلين إما كافر يكفر ثم يزيد كفراً فيطغى ولا سبيل للصلاح إليه فهذا لا يهديه الله ولا يقبل توبته لانه لا يرجع بالحقيقة بل هو منغمر في الضلال ولا مطمع في اهتدائه.

السابقالتالي
2 3