الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

بيان قوله تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب } ، عبر تعالى بالإِنزال دون التنزيل لأن المقصود بيان بعض أوصاف مجموع الكتاب النازل وخواصه، وهو أنه مشتمل على آيات محكمة وأُخر متشابهة ترجع إلى المحكمات وتبيّن بها، فالكتاب مأخوذ بهذا النظر أمراً واحداً من غير نظر إلى تعدد وتكثر، فناسب استعمال الإِنزال دون التنزيل. قوله تعالى { منه آيات محكمات هُنَّ أُم الكِتاب وَأُخر مُتشابهات } ، مادة حكم تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يفسده أو يبعضه أو يخل أمره عليه، ومنه الإِحكام والتحكيم، والحكم بمعنى القضاء، والحكمة بمعنى المعرفة التامّة والعلم الجازم النافع والحكمة بفتح الحاء لزمام الفرس ففي الجميع شيء من معنى المنع والإِتقان، وربما قيل إن المادة تدل على معنى المنع مع إصلاح. والمراد ها هُنا من إحكام المحكمات إتقان هذه الآيات من حيث عدم وجود التشابه فيها كالمتشابهات فإنه تعالى وإن وصف كتابه بإحكام الآيات في قولهكتاب أُحكمت آياته ثُمَّ فُصِّلت من لَدُن حكيم خبير } هود 1، لكن اشتمال الآية على ذكر التفصيل بعد الإِحكام دليل على أن المراد بالإِحكام حال من حالات الكتاب كان عليها قبل النزول وهي كونه واحداً لم يطرأ عليه التجزؤ والتبعض بعد بتكثر الآيات فهو إتقانه قبل وجود التبعض فهذا الإِحكام وصف لتمام الكتاب بخلاف وصف الإِحكام والإِتقان الذي لبعض آياته بالنسبة إلى بعض آخر من جهة امتناعها عن التشابه في المراد. وبعبارة أُخرى لما كان قوله { منه آيات مُحكمات هُنَّ أُمُّ الكِتاب وأُخَرُ مُتشابهات } مشتملاً على تقسيم آيات الكتاب إلى قسمي المحكم والمتشابه علمنا به أن المراد بالإِحكام غير الإِحكام الذي وصف به جميع الكتاب في قولهكتاب أُحْكمت آياته } هود 1 الآية وكذا المراد بالتشابه فيه غير التشابه الذي وصف به جميع الكتاب في قولهكتاباً متشابهاً مثاني } الزمر 23. وقد وصف المحكمات بأنها أُم الكتاب والأُم بحسب أصل معناه ما يرجع إليه الشيء وليس إلاَّ أن الآيات المتشابهة ترجع إليها فالبعض من الكتاب وهي المتشابهات ترجع إلى بعض آخر وهي المحكمات، ومن هنا يظهر أن الإِضافة في قوله { أُمُّ الكِتاب } ليست لامية كقولنا أُم الأطفال بل هي بمعنى من كقولنا نساء القوم وقدماء الفقهاء ونحو ذلك فالكتاب يشتمل على آيات هي أُم آيات أُخر وفي إفراد كلمة الام من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة. وقد قوبلت المحكمات في الآية بقوله { وأُخَرُ متشابهات } والتشابه توافق أشياء مختلفة واتحادها في بعض الأوصاف والكيفيات وقد وصف الله سبحانه جميع القرآن بهذا الوصف حيث قالكتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد