الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

بيان قوله تعالى { إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } النذر إيجاب الإِنسان على نفسه ما ليس بواجب والتحرير هو الإِطلاق عن وثاق ومنه تحرير العبد عن الرقية وتحرير الكتاب كأنه إطلاق للمعاني عن محفظة الذهن والفكر والتقبل هو القبول عن رغبة ورضى كتقبل الهدية وتقبل الدعاء ونحو ذلك. وفي قوله { قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني } ، دلالة على أنها إنما قالت هذا القول حينما كانت حاملاً وأن حملها كان من عمران ولا يخلو الكلام من إشعار بأن زوجها عمران لم يكن حياً عندئذٍ وإلاَّ لم يكن لها أن تستقل بتحرير ما في بطنها هذا الاستقلال كما يدل عليه أيضاً ما سيأتي من قوله تعالىوما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } آل عمران 44 الآية، على ما سيجيء من البيان. ومن المعلوم أن تحرير الأب أو الأم للولد ليس تحريراً عن الرقية وإنما هو تحرير عن قيد الولاية التي للوالدين على الولد من حيث تربيته واستعماله في مقاصدهما وافتراض طاعتهما فبالتحرير يخرج من تسلط أبويه عليه في استخدامه وإذا كان التحرير منذوراً لله سبحانه يدخل في ولاية الله يعبده ويخدمه أي يخدم في البيع والكنائس والأماكن المختصة بعبادته تعالى في زمان كان فيه تحت ولاية الأبوين لولا التحرير وقد قيل إنهم كانوا يحررون الولد لله فكان الأبوان لا يستعملانه في منافعهما ولا يصرفانه في حوائجهما بل كان يجعل في الكنيسة يكنسها ويخدمها لا يبرح حتى يبلغ الحلم ثم يخير بين الإِقامة والرواح فإن أحب أن يقيم أقام وإن أحب الرواح ذهب لشأنه. وفي الكلام دلالة على أنها كانت تعتقد أن ما في بطنها ذكر لا إناث حيث إنها تناجي ربها عن جزم وقطع من غير اشتراط وتعليق حيث تقول { نذرت لك ما في بطني محرراً } من غير أن تقول مثلاً إن كان ذكراً ونحو ذلك. وليس تذكير قوله { محرراً } من جهة كونه حالاً عن ما الموصولة التي يستوي فيه المذكر والمؤنث إذ لو كانت نذرت تحرير ما في بطنها سواء كان ذكراً أو أُنثى لم يكن وجه لمقالتها تحزناً وتحسراً لما وضعتها رب إني وضعتها أُنثى ولا وجه ظاهر لقوله تعالى { والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } على ما سيجيء بيانه. وفي حكايته تعالى لمقالتها عن جزم دلالة على أن اعتقادها ذلك لم يكن عن جزاف أو اعتماداً على بعض القرائن الحدسية التي تسبق إلى أذهان النسوان بتجارب ونحوه فكل ذلك ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً وكلامه تعالى لا يشتمل على باطل إلاَّ مع إبطاله وقد قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد