الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

بيان افتتاح لقصص عيسى ابن مريم وما يلحق بها وذكر حق القول فيها والاحتجاج على أهل الكتاب فيها وبالآيتين يرتبط ما بعدهما بما قبلهما من الآيات المتعرضة لحال أهل الكتاب. قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحاً } إلى آخر الآية، الاصطفاء كما مرّ بيانه في قوله تعالىلقد اصطفيناه في الدنيا } البقرة 130، أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإِسلام وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض لأمر ربه فيما يرتضيه له. لكن ذلك غير الاصطفاء على العالمين ولو كان المراد بالاصطفاء هنا ذاك الاصطفاء لكان الأنسب أن يقال من العالمين وأفاد اختصاص الإِسلام بهم واختل معنى الكلام فالاصطفاء على العالمين نوع اختيار وتقديم لهم عليهم في أمرٍ أو أمور لا يشاركهم فيه أو فيها غيرهم. ومن الدليل على ما ذكرناه من اختلاف الاصطفاء قوله تعالىوإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } آل عمران 42، حيث فرّق بين الاصطفاءين فالاصطفاء غير الاصطفاء. وقد ذكر سبحانه في هؤلاء المصطفين آدم ونوحاً فأما آدم فقد اصطفي على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإِنساني جعله الله في الأرض قال تعالىوإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } البقرة 30، وأول من فتح به باب التوبة. قال تعالىثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } طه 122، وأول من شرّع له الدين قال تعالىفإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } طه 123 الآيات، فهذه أمور لا يشاركه فيها غيره ويا لها من منقبة له عليه السلام. وأما نوح فهو أول الخمسة أولي العزم صاحب الكتاب والشريعة كما مرّ بيانه في تفسير قوله تعالىكان الناس أُمة واحدة فبعث الله النبيين } البقرة 213، وهو الأب الثاني لهذا النوع وقد سلم الله تعالى عليه في العالمين قال تعالىوجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين } الصافات 77ـ79. ثم ذكر سبحانه آل إبراهيم وآل عمران من هؤلاء المصطفين والآل خاصة الشيء قال الراغب في المفردات الآل قيل مقلوب عن الأهل ويصغر على أُهيل إلاَّ أنه خص بالإِضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة يقال آل فلان ولا يقال آل رجل وآل زمان كذا أو موضع كذا ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل يقال آل الله وآل السلطان والأهل يضاف إلى الكل يقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا وبلد كذا وقيل هو في الأصل اسم الشخص ويصغر أُويلاً ويستعمل فيمن يختص بالإِنسان اختصاصاً ذاتياً إما بقرابة قريبة أو بموالاة انتهى موضع الحاجة فالمراد بآل إبراهيم وآل عمران خاصتهما من أهلهما والملحقين بهما على ما عرفت.

السابقالتالي
2 3 4